حَدٍّ يُستطاع القول : إنَّ العوالم التي يعيشونها في الجنان بعد هذه الحياة ليس مِن جنس واحد ، بلْ هي مِن جنسين مُختلفين تماماً ، ولا يُمكن إيضاح تفاصيله في هذه العُجالة. ويكفي أنْ نُشير إلى أنَّ الجنَّة الموصوفة في ظاهر القرآن الكريم ، والتي يطمع بها سائر الناس ، إنَّما هي جنَّة أصحاب اليمين ، وأمَّا جنَّات المُقرَّبين فهي شي آخر ومِن جنس مُختلف لا يُشبه ذاك على الإطلاق.
وينبغي الالتفات إلى أنَّ الباب بالرحمة الإلهيَّة مفتوح لكلِّ أحد ، في أنْ يُصبح مِن أصحاب اليمين ، أو المُقرَّبين ، بمُقدار ما أدَّى مِن عمل ، وبمُقدار ما يُطيق مِن قواه العقليَّة والنفسيَّة والروحيَّة ، ونحو ذلك مِن الأُمور.
فإذا تمَّ لنا ذلك أمكننا بكلِّ تأكيد أنْ نقول : إنَّ خاصَّة أصحاب الأئمَّة عليهمالسلام ، همْ فعلاً مِن المُقرَّبين ، وليسوا فقط مِن أصحاب اليمين.
ومَن كان مِن المُقرَّبين كان ـ مِن المُهمين ـ المُسددَّين مِن قِبَل الله سبحانه جزماً بنصِّ القرآن ، ومثاله نزول الوحي على مريم بنت عمران (١) وآسية بنت مُزاحم (٢) زوجة فرعون ، وأُمُّ موسى (٣) ، والعبد الصالح (٤) ، وكلُّهم ليسوا مِن الأنبياء ولا المُرسلين.
وإذا ثبت كون خاصَّة أصحاب الأئمَّة عليهمالسلام الراسخين في العلم ومِن المُقرَّبين ، فلا عجب في اتِّصافهم بأوصاف تفوق غيرهم بمراتب ، مثل قوله صلىاللهعليهوآله : «سلمان مِنَّا أهل البيت» (٥) وقوله : «ما أقلَّت الغبراء وما أضلَّت
__________________
(١) سورة آل عمران. آية (٤٢ ـ ٤٣) ـ سورة مريم آية ١٧.
(٢) (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) سورة القصص آية ٩.
(٣) سورة طه آية ٣٨ ـ سورة القصص آية ٧
(٤) (فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً) سورة الكهف آية ٦٥.
(٥) الميزان في تفسير القرآن للطباطبائي ج ١٦ ص ٢٩٢ ـ أُسد الغابة لابن الأثر ج ٢ ص ٣٢٨.
ـ وسلمان الفارسي هو أبو عبد الله ، ويُعرف بسلمان الخير مولى رسول الله صلىاللهعليهوآله. وسئل عن نسبه