ذلك غير معقول ولا يُريده الحسين لنفسه. وأُكرِّر الآن : أنَّ المكان الوحيد البعيد الذي كان مُناسباً نسبياً ، لم يكن إلاَّ اليمن ، وهو الوحيد الذي ذكروه له ، إلاَّ أنَّه رفضه ، وكان رفضه بحسب فهمنا مُعتمداً على الوجهين الأوَّلين ، اللذين قلناهما قبل قليل لهذه المُناقشة فراجع وفكِّر ، مُضافاً إلى أُمور أُخرى تعرفها مِن أجوبة المُناقشات السابقة. وحيث لم تتمَّ مُناقشة واحدة لهذا الهدف الحسيني الجليل ؛ إذاً يتعيَّن الأخذ به ، وهو ترك البيعة ليزيد بن مُعاوية ، واختيار التضحية عليه ، فإذا تمَّ هدف آخر فيما يلي ، كان نوراً على نور ، وإلاَّ ففي هذا الهدف الكفاية.
الهدف الثاني : المُمكن لحركة الحسين عليهالسلام الامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى إيَّاه بها ، ذلك الأمر المعروف لديه ـ إمَّا بالإلهام أو بالرواية عن جَدِّه النبي صلىاللهعليهوآله (١) ـ وكان يطلب ثواب الله وجزاءه الأُخروي على ذلك تماماً ، كما يفعل أيُّ مؤمن حين يؤدِّي أيَّ واجب دينيٍّ ، كالصلاة أو الصوم أو الحجِّ.
ويدلُّ على ذلك : ما ورد عن جَدِّه صلىاللهعليهوآله أنَّه قال له في المنام : «يا بني ، إنَّه لا بُدَّ لك مِن الشهادة ، وإنَّ لك درجات عند الله عزَّ وجلَّ لن تنالها إلاَّ بالشهادة» (٢) ، كما يدلُّ عليه ما ورد : أنَّه بعد مقتله عليهالسلام وضعت أُخته الحوراء زينب (سلام الله عليها) يديها تحت جسده الطاهر وقالت : اللَّهمَّ ، تقبَّل منَّا هذا القُربان (٣) ؛ لوضوح أنَّ القَبول إنَّما يكون لعمل مِن أعمال الامتثال والطاعة.
وهذا الهدف صحيح بكلِّ`تأكيد ، كما أنَّه بكل تأكيد هدف شخصيٌّ
__________________
(١) البحار للمجلسي ج ٤٤ ص ٣٢٨ أسرار الشهادة للدربندي ص ٢٢٤
(٢) أمالي الصدوق ، مجلس ٣٠ ص ١٣٥ الخوارزمي ج ١ ص ١٨٧ البحار ج ٤٤ ص ٣٢٨
(٣) الكبريت الأحمر ج ٣ ص ١٣ عن الطراز المُذهَّب.