ونستطيع أنْ نؤكِّد أنَّ هذا الإصلاح هو الذي كان مقصوداً للحسين عليهالسلام ومُستهدفاً له ، وإنْ لم يُصرِّح به تماماً آخذاً بقانون : «كَلِّموا الناس على قدر عقولهم» (١) ، وهو هدف جليل وصحيح ولا غُبار عليه.
الهدف السادس : المُحتمل للحسين عليهالسلام في حركته :
هو الاستجابة لأهل الكوفة ، حين طلبوا منه القدوم عليهم ، وأخذْ البيعة منهم ومُمارسة الحُكم بينهم ، وقالوا : وإنَّما تُقدِم على جُند لك مُجنَّدة (٢). فأجابهم بالمُوافقة وعزم على المسير إليهم ، إلاَّ أنَّه لم يوفَّق للوصول إلى الكوفة ، حيث اجتمع عليه الجيش المُعادي في كربلاء وتمَّ الإجهاز على حركته هناك.
وهذه الاستجابة وإنْ كانت صحيحة بحسب الحُكم الظاهري في الشريعة.
إذ يجب (سلام الله عليه) أنْ يستجيب لمثل هذا الطلب الجليل ، ولكنَّنا مع ذلك لا نعتبره هدفاً حقيقاً للحركة ، وإنَّما هي استجابة لا بُدَّ منها لسدِّ الألسنة وقطع المعاذير مِن ناحية ، والتكلُّم مع الناس على قدر عقولهم ، وأمَّا لو لاحظنا الأمر أعمق مِن ذلك بقليل لوجدنا عِدَّة إشكالات ترد على هذا الهدف.
أوَّلاً : لأنَّنا نعلم أنَّه عليهالسلام يعلم أنَّ أهل الكوفة يومئذ كاذبون عن الإعراب عن موالاتهم ومُبايعتهم ، وإنَّما هُمْ فسقة ومُنافقون.
ولا يتوقَّف الاطِّلاع على هذا الأمر على الإلهام أو التسديد الإلهي ، وإنْ كان هذا صحيحاً في نفسه ، إلاَّ أنَّه أيضاً كان واضحاً لكثير مِن الناس ـ يومئذ ـ بما فيهم الذين ناقشوه في خروجه ، وقالوا له في ما قالوا : إنَّ أهل الكوفة قد غدروا بأبيك وأخيك ؛ فمِن الحريِّ أنْ يغدروا بك ، وإنَّما الأفضل أنْ تذهب إلى
__________________
(١) أصول الكافي ج ١ ص ٦٧ حديث ١٥.
(٢) الخوارزمي ج ١ ص ١٩٥ ـ الطبري ج ٦ ص ١٩٧.