فصل
على أنه لو كان ممن يجوز عليه الخطأ في الدين والغلط في التدبير ، لكان ما يقع منه مستدركا بجبرئيل وميكائيل وأمثالهما من الملائكة عليهمالسلام ، ولم يكله الله تعالى في شئ منه إلى رعيته ، ولا أحوجه فيه إلى أحد من أمته ، لما تقتضيه الحكمة في تولى حراسته وتهدئته ، وغناه بذلك عمن أحوجه الله سبحانه إليه من جميع بريته.
ولو جاز أن يلجئه الله تعالى إلى أحد من أمته في الرأي ، لجاز أن يضطر إليه في جميع معرفة الأحكام ، ولجعله تابعا لهم فيما يدركونه بالاجتهاد والقياس ، وهذا ما لا يذهب إليه مسلم ، فثبت ما بيناه من الغرض في حبس الرجلين عن القتال ، فإنه كما شرحناه ، وبينا وجهه وأوضحناه ، دون ما ظنه الجاهلون ، والحمد لله.
فصل
ثم يقال لهم : خبرونا عن حبس رسول الله صلىاللهعليهوآله أبا بكر وعمر عن القتال في يوم بدر لحاجة إلى مشورتهما عليه ، وتدبيرهما الأمر معه ، أقلتم ذلك ظنا أو حدسا ، أم قلتموه واعتمدتم فيه على اليقين؟
فإن زعموا أنهم قالوا ذلك بالظن والحدس والترجيم فكفاهم بذلك خزيا في مقالهم وشناعة وقبحا ، وإن ادعوا العلم به والحجة فيه طولبوا بوجه البرهان عليه ، وهل ذلك من وجه العقل أدركوه أم وجوه السمع والتوقيف ، فلا يجدون شيئا يتعلقون به من الوجهين جميعا.