ثم يقال لهم : أما العريش فكان من رأي الأنصار بلا اختلاف ، ولم يكن لأبي بكر وعمر وغيرهما من المهاجرين مقال ، وأما المشورة فلم تكن فيه ، وإنما أشار في الأسرى بعد القتال ، واختلفا عند المشورة في الرأي.
وعدل رسول الله صلىاللهعليهوآله إذ ذاك عن رأي عمر بن الخطاب ، لمعرفته أنه صدر عن تراث بينه وبين القوم ، وقصد الشناعة (١) على النبي صلىاللهعليهوآله ، وشفاء غيظ بني عبد مناف ، ولم يرد بما قال وجه الله تعالى ، وصار إلى رأي أبي بكر لما أراد الله تعالى من المحنة لذلك.
فنزل القرآن بتخطئة صاحبكم ، وجاء الخبر عن علام الغيوب بخيانته في الدين ، وركونه إلى الدنيا ، وإرادته لحطامها ، وضعف بصيرته في الجهاد ، وأظهر منه ما كان يخفيه ، وكشف عن ضميره ، وفضحه الوحي بما ورد فيه ، حيث يقول الله سبحانه : (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم * لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) (٢).
وهذا يدل على أن النبي صلىاللهعليهوآله حينما استشارهما لم يكن لفقر منه في الرأي والتدبير إليهما ، وإنما كان لاستبراء أحوالهما والإظهار لباطنهما في النصيحة له أو ضدها ، كما أخبره الله سبحانه بتعريفه ذلك
__________________
(١) (اشناعة) ليس في ب.
(٢) سورة الأنفال ٨ : ٦٧ ، ٦٨.