فصل آخر
مع أن التباين بين أبي بكر وعمر في كثير من الأحكام يمنع من فرض الاقتداء بهما على كل حال ، لاستحالة اتباعهما فيما اختلفا فيه ، ووجوب خلاف أحدهما في وفاق صاحبه ، وخلاف صاحبه في اتباعه.
وقد ثبت أن الله تعالى لا يكلف عباده المحال ، ولا يشرع ذلك منه صلىاللهعليهوآله ، وإذا بطل وجوب الاقتداء بهما في العموم لما بيناه ، لم يبق ـ إن سلم الحديث ـ إلا وجوبه في الخصوص ، وذلك غير موجب للفضل فيهما ، ولا مانع من ضلالهما ونقصهما ، وهو حاصل في مثل ذلك من أهل الكتاب ، ولو فاق المسلمين لهم في خاص من الأقوال مع كفرهم وضلالهم بالإجماع ، فبان بما وصفناه سقوط الحديث وفساد معانيه على ما قدمناه.
فصل آخر
على أن أصحاب الحديث قد رووه بلفظين مختلفين ، على وجهين من الأعراب متباينين : أحدهما الخفض ، وقد سلف قولنا بما بيناه ، والآخر النصب ، وله معنى غير ما ذهب إليه أهل الخلاف.
وذلك أن رسول الله صلىاللهعليهوآله لما دعا الأمة إلى التمسك بكتاب الله تعالى ، وبعترته عليه وعليهمالسلام ، حيث يقول : «إني مخلف فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» (١). وكان عالما بما أوحى الله تعالى إليه ، أن أول
__________________
(١) حديث الثقلين من الأحاديث الصحيحة المتواترة ، تنتهي سلسلة أسانيده إلى جماعة من