والثانية : أن الذي قدموه كان متعريا ، مما أوجب عندهم تأخيره (١) ، فلم يك على حال من الفضل يبعث على الحسد ، فيحول ذلك بينه وبين التقديم.
والثالثة : أن الأكثر كانوا إلى الرجل أسكن منهم إلى غيره ، لبعده عن عداوتهم ، وخروجه عن آصارهم ، بوتر من وترهم في الدين.
والرابعة : ملاءمة العاقدين للمعقود له في الباطن ، واجتماعهم على السر من أمرهم والظاهر ، فتشابهت لذلك منهم القلوب.
والخامسة : استحكام طمع الاتباع في النيل من المتقدمين مراداتهم في الرئاسات ، والسيرة فيهم بما يؤثرونه من الأحكام المخالفة للمفترضات والمسنونات ، والتجاوز لهم عن العثرات والزلات ، وهذا أيضا من الأسباب الداعية إلى إخراج الحق عن أهله بلا اختلاف.
والسادسة : الاتفاق الذي لا يرجع فيه إلى أصل ثابت ولا نتيجة نظر ، وقد جرت به العادات ، وقضت بوجود أمثاله الشهادات.
ألا ترى إلى اجتماع أهل الجاهلية على عبادة الأوثان ، وهي جمادات لا تنفع أحدا ولا تضره ، ولا تجلب إليه خيرا ولا تدفع عنه شرا ، مع انصرافهم عن عبادة الله الذي خلقهم ، وأراهم في أنفسهم وغيرهم الآيات.
وكذلك كانت حال من تقدمهم في عبادة الأصنام (٢) ، مع تقريع
__________________
(١) في ب ، ح ، م ، زيادة : من أخرجوه.
(٢) في ب ، ح ، م ، الأصنام وعبادتها بدل (عبادة الأصنام).