منه لشدة زحام الناس للصلاة عليه ، ومن كثرة بكاء المؤالف والمخالف ، ولا عجب فقد فقد العلم به حامل لوائه ، وزعيم طلائعه ، ورائد الفكر وفارسه المعلم وكميه المقدام ، وثلم الدين بموته ثلمة لا يسدها شئ.
كان (١) قدسسره شيخا ربعة ، نحيفا ، أسمر ، خشن اللباس ، كثير الصلاة والصوم والتقشف والتخشع والصدقات ، عظيم الخشوع ، ما كان ينام من الليل إلا هجعة ثم يقوم ويصلي ، أو يتلو كتاب الله ، أو يطالع ، أو يدرس.
كان مديما للمطالعة والتعلم ، ومن أحفظ الناس ، قيل إنه ما ترك للمخالفين كتابا إلا حفظه ، وبهذا قدر على حل شبه القوم.
كان دقيق الفطنة ، ماضي الخاطر ، حاضر الجواب ، حسن اللسان والجدل ، ضنين السر ، جميل العلانية ، بارعا في جميع العلوم ، حتى كان يقال : له على كل إمام منة.
كان نشيطا للبحث والمناظرة ، صبورا على الخصم ، وكان يناظر أهل كل عقيدة فلا يدرك شأوه ، ولم يكن في زمانه من يدانيه أو يضاهيه في هذا المضمار ، حتى جعل المخالفين في ضيق شديد بقوة حجته وتأثير
__________________
(١) كل ما سنورده من أحواله وصفاته ومديحه فهو مما أطراه به كبار علماء الرجال والتاريخ من الفريقين ، كصهره أبي يعلى الجعفري وتلميذيه النجاشي والطوسي ، وكأبي حيان التوحيدي وابن النديم والخطيب البغدادي واليافعي والذهبي وابن الجوازي وابن حجر العسقلاني وابن كثير الشامي وغيرهم.