وفيه أن الإدراكات ، إذا فرضت غير كاشفة عما وراءها ، فمن أين علم أن هناك حقائق وراء الإدراك ، لا يكشف عنها الإدراك ، ثم من أدرك أن حقيقة الصوت في خارج السمع ، ارتعاش بعدد كذا ، وحقيقة المبصر في خارج البصر ارتعاش بعدد كذا ، وهل يصل الإنسان إلى الصواب الذي يخطى فيه الحواس ، إلا من طريق الإدراك الإنساني.
وبعد ذلك كله تجويز ، أن لا ينطبق مطلق الإدراك على ما وراءه ، لا يحتمل إلا السفسطة ، حتى أن قولنا ، يجوز أن لا ينطبق شيء من إدراكاتنا على الخارج ، لا يؤمن أن لا يكشف ، بحسب مفاهيم مفرداته والتصديق ، الذي فيه عن شيء.
الفصل التاسع
وينقسم العلم الحصولي إلى حقيقي واعتباري
والحقيقي هو المفهوم الذي يوجد ، تارة بوجود خارجي فيترتب عليه آثاره ، وتارة بوجود ذهني لا يترتب عليه آثاره ، وهذا هو الماهية ، والاعتباري ما كان بخلاف ذلك ، وهو إما من المفاهيم التي حيثية مصداقها ، حيثية أنه في الخارج ، كالوجود وصفاته الحقيقية ، كالوحدة والفعلية وغيرهما ، فلا يدخل الذهن وإلا لانقلب ، وإما من المفاهيم التي حيثية مصداقها ، حيثية أنه في الذهن ، كمفهوم الكلي والجنس والنوع ، فلا يوجد في الخارج وإلا لانقلب.
وهذه المفاهيم إنما يعملها الذهن بنوع من التعمل ، ويوقعها على مصاديقها ، لكن لا كوقوع الماهية وحملها على أفرادها ، بحيث تؤخذ في حدها.
ومما تقدم يظهر أولا ، أن ما كان من المفاهيم ، محمولا على الواجب