الفصل الثامن
في إرادته تعالى وكلامه
قالوا إرادته تعالى علمه بالنظام الأصلح ، وبعبارة أخرى علمه بكون الفعل خيرا ، فهي وجه من وجوه علمه تعالى ، كما أن السمع بمعنى العلم بالمسموعات ، والبصر بمعنى العلم بالمبصرات ، وجهان من وجوه علمه فهو عين ذاته تعالى.
وقالوا الكلام فيما نتعارفه ، لفظ دال على ما في الضمير كاشف عنه ، فهناك موجود اعتباري وهو اللفظ الموضوع ، يدل دلالة ، وضعية اعتبارية على موجود آخر ، وهو الذي في الذهن ، ولو كان هناك موجود حقيقي ، دال بالدلالة الطبعية على موجود آخر كذلك ، كالأثر الدال على مؤثره ، وصفة الكمال في المعلول ، الكاشفة عن الكمال الأتم في علته ، كان أولى وأحق بأن يسمى كلاما لقوة دلالته ، ولو كان هناك موجود ، أحدي الذات ذو صفات كمال في ذاته ، بحيث يكشف بتفاصيل كماله ، وما يترتب عليه من الآثار عن وجوده الأحدي ، وهو الواجب تعالى ، كان أولى وأحق باسم الكلام ، وهو متكلم لوجود ذاته لذاته.
أقول فيه إرجاع تحليلي ، لمعنيي الإرادة والكلام ، إلى وجه من وجوه العلم والقدرة ، فلا ضرورة تدعو إلى إفرادهما عن العلم والقدرة ، وما نسب إليه تعالى في الكتاب والسنة ، من الإرادة والكلام أريد به صفة الفعل ، بالمعنى الذي سيأتي إن شاء الله.