هو أسنّة الرماح وآذان الخيل ، فقال الحسين : «وأنا أراه ذلك» ، ثمّ سألهم عن ملجأ يلجأون إليه ، فقالوا : هذا (ذو حسَم) (١) عن يسارك فهو كما تريد ، فسبق إليه الحسين وضرب أبنيته.
وطلع عليهم الحرّ الرياحي (٢) مع ألف فارس بعثه ابن زياد ؛ ليحبس الحسين عن الرجوع إلى المدينة أينما يجده أو يقدم به الكوفة ، فوقف الحرّ وأصحابه مقابل الحسين في حَر الظهيرة (٣).
فلمّا رأى سيّد الشهداء ما بالقوم من العطش أمر أصحابه أنْ يسقوهم ويرشفوا الخيل ، فسقوهم وخيولهم عن آخرهم ، ثمّ أخذوا يملأون القصاع والطساس ويدنونها من الفرس فإذا عبّ فيها ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت ، وسقي آخر حتّى سقوا الخيل كلّها (٤).
وكان علي بن الطعّان المحاربي مع الحرّ فجاء آخرهم وقد أضرَّ به العطش فقال الحسين : «أنخ الراوية» ـ وهي الجمل بلغة الحجاز ـ فلمْ يفهم مراده فقال له : «أنخ الجمل» ولمّا أراد أنْ يشرب جعل الماء يسيل من السّقاء ، فقال له ريحانة الرسول : «أخنث السّقاء» ، فلم يدرِ ما يصنع لشدّة العطش ، فقام (ع) بنفسه وعطف السّقاء حتّى ارتوى وسقى فرسه.
وهذا لطف وحنان من أبي الضيم على هؤلاء الجمع في تلك البيداء المقفرة التي تعزّ فيها الجرعة الواحدة وهو عالم بحراجة الموقف ونفاد الماء ، وإنّ غداً دونه تسيل النّفوس ، ولكنّ العنصر النبوي والكرم العلويّ لَمْ يتركا صاحبهما إلاّ أنْ يحوز الفضل.
أحشاشةَ الزهراء بل يا مهجةَ |
|
الكّرار يا روحَ النبي الهادي |
__________________
(١) حسم (بضم الحاء المهملة وفتح السين بعدها ميم) : جبل كان النعمان بن المنذر يصطاد به ، وفيه للنابغة أبيات.
(٢) في جمهرة أنساب العرب لابن حزم ص ٢١٥ : الحر بن يزيد بن ناجية بن قعنب بن عتاب الردف بن هرمي بن رياح يربوع ، وقيل لعتاب الردف ؛ لأنّ الملوك تردفه ، وفي صفحة ٢١٣ قال ، يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم.
(٣) مقتل الخوارزمي ١ ص ٢٣٠ الفصل الحادي عشر.
(٤) تاريخ الطبري ٦ ص ٢٢٦ ، والطساس : جمع طس ، طبقات النحويين للنبيذي ص ٥٠ ، قال : وأمّا طست فجمعه طسات.