أثباجك ، وفرّق بين رأسك وبدنك ، فأشهد أنَّك ابن خاتم النبيين ، وابن سيّد المؤمنين ، وابن حليف التقوى ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيّد النقباء ، وابن فاطمة الزهراء سيّدة النساء ، وما لَك لا تكون كذلك وقد غذَّتك كفّ سيّد المرسلين ، وربيت في حجر المتّقين ، ورضعت من ثدى الإيمان ، وفطمت بالإسلام؟! فطبت حيّاً وطبت ميّتاً غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة بفراقك ، ولا شاكة في الخيرة لك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريّا.
ثم أجال بصره حول القبر وقال : السّلام عليكم أيّتها الأروح التي حلّت بفناء الحسين (ع) وأناخت برحله ، أشهد أنّكم أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين.
والذي بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) بالحقّ نبيّاً ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. فقال له عطيّة العوفي : كيف ولَم نهبط وادياً ولَم نعلُ جبلاً ولَم نضرب بسيف ، والقوم قد فُرّق بين رؤوسهم وأبدانهم واُوتمت أولادهم واُرملت الأزواج؟
فقال له : إني سمعت حبيبي رسول الله يقول : «مَن أحبّ قوماً ، كان معهم. ومَن أحبّ عمل قوم اُشرك في عملهم». والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّاً إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين (ع) وأصحابه (١).
الرأس مع الجسد
لمّا عرف زين العابدين (ع) الموافقة من يزيد ، طلب منه الرؤوس كلّها ليدفنها في محلّها ، فلَم يتباعد يزيد عن رغبته ، فدفع اليه رأس الحسين (ع) مع رؤوس أهل بيته وصحبه ، فألحقها بالأبدان.
نصّ على مجيئه بالرؤوس إلى كربلاء في حبيب السير كما في نفَس المهموم
__________________
(١) بشارة المصطفى ص ٨٩ ، المطبعة الحيدريّة ، مؤلّفه ـ كما في روضات الجنّات ـ أبو جعفر محمّد بن أبي القاسم بن محمّد بن علي الطبري الآملي ، من علماء القرن الخامس ، قرأ على ابن الشيخ الطوسي.