المجلس الثامن والأربعون
لمّا كانت ليلة العاشر من المحرّم ، جمع الحسين أصحابه عند قرب المساء ، قال علي بن الحسين عليهماالسلام : «فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم ـ وأنا إذ ذاك مريض ـ فسمعت أبي يقول لأصحابه : أثني على الله أحسن الثناء ، وأحمده على السرّاء والضرّاء. اللهمَّ ، إنّي أحمدك على أنْ أكرمتنا بالنبوّة ، وعلّمتنا القرآن ، وفقّهتنا في الدّين ، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدة ، فاجعلنا لك من الشاكرين. أمّا بعد ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عنّي خيراً ، ألا وإنّي لأظنّ يوماً لنا من هؤلاء القوم ، ألا وإنّي قد أذنتُ لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام ، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً ، وليأخذ كلّ واحدٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي وتفرّقوا في سواد هذا الليل ، وذروني وهؤلاء القوم ؛ فإنّهم لا يريدون غيري». فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر : ولِم نفعل ذلك؟! لنبقى بعدك! لا أرانا الله ذلك أبداً. بدأهم بهذا القول العبّاس بن أمير المؤمنين وأتبعه الجماعة عليه فتكلّموا بمثله ونحوه. ثم نظر إلى بني عقيل فقال: «حسبُكم من القتل بصاحبكم مسلم ، اذهبوا فقد أذنتُ لكم». قالوا : سبحان الله! فما يقول النّاس لنا وماذا نقول لهم؟! إنّا تركنا شيخنا وسيّدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولمْ نرمِ معهم بسهم ، ولمْ نطعن معهم برُمح ، ولمْ نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا! لا والله ، ما نفعل ، ولكنّا نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونُقاتل معك حتّى نرد موردك ، فقبّح الله العيش بعدك. وقام إليه مسلم بن عوسجة الأسدي ، فقال : أنحن نخلّي عنك وقد أحاط بك هذا العدوّ؟! وبِم نعتذر إلى الله في أداء حقّك؟! لا والله ، لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتّى أكسر في صدورهم رمحي ، واُضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ، ولو لمْ يكن معي سلاح اُقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ، ولمْ اُفارقك أو أموت معك. وقام سعيد بن عبد الله الحنفي ، فقال : لا والله يابن رسول الله ، لا نخلّيك أبداً حتّى يعلم الله أنّا حفظنا فيك وصيّة رسوله محمّد (ص)