المجلس التاسع والأربعون
لمّا أصبح الحسين (ع) يوم عاشوراء ، عبّأ أصحابه للقتال ، وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً ، فجعل زهير بن القَين في الميمنة ، وحبيب بن مظاهر في الميسرة ، وأعطى الراية العبّاس أخاه ، وأمر الحسين (ع) بفسطاط فضُرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير وجعل عندها نورة ، ثمّ دخل ليطلي. فروي أنّ بُرير بن خضير الهمداني وعبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل بُرير يُضاحك عبد الرحمن ، فقال له عبد الرحمن : يا بُرير ، ما هذه ساعة باطل! فقال بُرير : لقد علم قومي أنّي ما أحببت الباطل كهلاً ولا شابّا ، وإنّما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه. قال علي بن الحسين (ع) : «لمّا صبحت الخيل الحسين (ع) ، رفع يديه وقال : اللهمَّ ، أنت ثقتي في كلّ كرب ، وأنت رجائي في كلّ شدّة ، وأنت لي في كلّ أمر نزلَ بي ثقة وعدّة. كم من كرب يضعف فيه الفؤاد وتقلّ فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصّديق ويشمت فيه العدوّ أنزلته بك وشكوتُه إليك ؛ رغبةً منّي إليك عمّن سواك ، ففرّجتَه عنّي وكشفتَه ، فأنت وليّ كلّ نعمة وصاحب كلّ حسَنَة ومُنتهى كلّ رغبة». وقُرّب إلى الحسين (ع) فرسه ، فاستوى عليه وتقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه ، وبين يديه بُرير بن خضير ، فقال له الحسين (ع) : «كلّم القوم». فتقدّم بُرير فقال : يا قوم ، اتّقوا الله فإنّ ثقل محمّد (ص) قد أصبح بين أظهركم ، هؤلاء ذرّيّته وعترته وبناته وحرمه ، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أنْ تصنعوه بهم؟ فقالوا : نريد أنْ نمكّن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم. فقال لهم برير : أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها؟ يا ويلكم! أدعوتم أهل بيت نبيّكم وزعمتم أنّكم تقتلون أنفسكم دونهم ، حتّى إذا أتَوكم أسلمتموهم وحلأتموهم عن ماء الفرات ، بئس ما خلّفتم نبيّكم في ذرّيّته! ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة ، فبئس القوم أنتم! فقال له نفر منهم : يا هذا ، ما ندري ما تقول. وقال بُرير : الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة. اللهمَّ ، إنّي أبرأ إليك من