المجلس الثاني والخمسون
لمّا رأى الحُرّ بن يزيد أنّ القوم قد صمّموا على قتال الحسين (ع) ، قال لعمر بن سعد : أمقاتلٌ أنت هذا الرجل؟ قال : إي والله ، قتالاً أيسرُه أنْ تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي. قال : فما لكم فيما عرضه عليكم رضى؟ قال : أما لو كان الأمر إليّ لفعلتُ ، ولكنّ أميرك قد أبى. فأقبل الحُرّ حتّى وقف من النّاس موقفاً ومعه رجل من قومه يقال له قرّة بن قيس ، فقال له : يا قرة ، هل سقيت فرسك اليوم؟ قال : لا. قال : فما تريد أنْ تسقيه؟ قال قرة : فظننتُ والله أنّه يريد أنْ يتنحّى فلا يشهد القتال ، فكره أنْ أراه حين يصنع ذلك ، فقلتُ له : لمْ أسقه وأنا منطلق فأسقيه. فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله لو أطلعني على الذي يُريد لخرجتُ معه إلى الحسين (ع). فأخذ الحُرّ يدنو من الحسين (ع) قليلاً قليلاً ، فقال له المهاجر بن أوس : ما تريد يابن يزيد؟ أتريد أنْ تحمل؟ فلم يُجبه وأخذه مثل الأفكل (وهي الرعدة) ، فقال له المهاجر : إنّ أمرك لمُريب! والله ، ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ، ولو قيل لي مَن أشجع أهل الكوفة؟ ما عدوتك ، فما هذا الذي أرى منك؟ فقال الحُرّ : إنّي والله ، اُخيّر نفسي بين الجنّة والنّار ، فوالله لا أختار على الجنّة شيئاً ولو قُطِّعت وحُرّقت. ثمّ ضرب فرسه قاصداً إلى الحسين (ع) ويده على رأسه وهو يقول : اللهمَّ ، إليك اُنيب فتُبْ عليّ ، فقد أرعبتُ قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك. وقال للحسين (ع) : جُعلتُ فداك يابن رسول الله ، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتُك في الطريق وجعجعتُ بك في هذا المكان ، وما ظننت أنّ القوم يردّون عليك ما عرضتَه عليهم ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة. والله ، لو علمتُ أنّهم ينتهون بك إلى ما أرى ، ما ركبتُ مثل الذي ركبت ، وإنّي قد جئتك تائباً ممّا كان منّي إلى ربّي ، مواسياً لك بنفسي حتّى أموت بين يديك ، فهل ترى لي من توبة؟ فقال له الحسين (ع) : «نعم يتوب الله عليك فانزل». قال : أنا فارساً خيرٌ منّي راجلاً ، اُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النّزول يصير