المجلس الثالث والخمسون
لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ، جعل أصحاب الحسين (ع) يبرز الواحد منهم بعد الواحد ، فكانوا كما قيل فيهم :
نَصرُوا ابنَ بنتِ نبيِّهمْ طُوبى لهُمْ |
|
والخيلُ بين مدعَّسٍ ومُكردسِ |
لبسُوا القلوبَ على الدّروعِ وأقبَلُوا |
|
يتهافتُونَ على ذهابِ الأنفسِ |
فممَّن برز وهب بن حبّاب الكلبي ، وكانت معه اُمّه وزوجته ، فقالت اُمّه : قُم يا بُني فانصر ابن بنت رسول الله (ص). فقال : أفعل يا اُمّاه ولا اُقصّر. فَبرزَ وهو يقول :
سوفَ تَرَوني وتَرَونَ ضَرْبي |
|
وحملَتي وصولَتي في الحربِ |
أدركُ ثاري بعدَ ثارِ صحْبي |
|
وأدفعُ الكربَ أمامَ الكربِ |
ليس جهادِي في الوغَى باللعْبِ
ثم حمل ولم يزل يُقاتل حتّى قتل جماعة ، ثمّ رجع إلى امرأته واُمّه وقال : يا اُمّاه ، أرضيت؟ قالت : ما رضيت حتّى تُقتل بين يدَي الحسين (ع). فقالت امرأته : بالله عليك ، لا تفجعني بنفسك. فقالت اُمّه : يا بُني ، اعزُب عن قولها ، وارجع فقاتل بين يدَي ابن بنت نبيّك تنلْ شفاعة جدّه يوم القيامة. فرجع فلمْ يزل يُقاتل حتّى قُطعت يداه ، وأخذت امرأته عموداً وأقبلت نحوه وهي تقول : فداك أبي واُمّي! قاتل دون الطيّبين حرم رسول الله (ص). فأقبل كي يردّها إلى النّساء فأخذت بجانب ثوبه وقالت : لنْ أعود دون أنْ أموت معك. فقال الحسين (ع) : «جُزيتم من أهل بيت خيراً ، ارجعي إلى النّساء رحمك الله». فانصرفت إليهنّ ، ولم يزل الكلبي يقاتل حتّى قُتل رضوان الله عليه. وخرج عمرو بن قرظة الأنصاري ـ وكان له أخ اسمه علي مع عمر بن سعد في غاية العناد