المجلس الرابع والخمسون
لمّا كان اليوم العاشر من المحرّم ، برز جون مولى أبي ذَر الغفاري ـ وكان بعد موت أبي ذَر عند الحسن (ع) ثمّ صار عند الحسين (ع) ، فصحبه في سفره من المدينة إلى مكّة ثمّ إلى العراق ، وكان عبداً أسود ـ ، فقال له الحسين (ع) : «أنت في إذْنٍ منّي ؛ فإنّما تبعتنا للعافية فلا تبتلِ بطريقتنا». فقال : يابن رسول الله ، أنا في الرّخاء ألحسُ قصاعكم ، وفي الشدّة أخذلكم! لا والله ، لا اُفارقكم حتّى يختلط هذا الدّم الأسود مع دمائكم. ثمّ برز وهو يقول :
كيفَ ترَى الكفّارُ ضرْبَ الأسودِ |
|
بالسّيفِ ضرْباً عنْ بَني محمّد |
أذبُّ عنهُمْ باللسَانِ واليدِ |
|
أرجو بهِ الجنّةَ يومَ المَوْردِ |
ثم قاتل حتّى قُتل ، فوقف عليه الحسين (ع) فقال : «اللهمَّ ، بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع الأبرار ، وعرّف بينه وبين محمّد وآل محمّد».
وخرج شاب قُتل أبوه في المعركة وكانت اُمّه معه ، فقالت له : اخرج يا بُني وقاتلْ بين يدَي ابن رسول الله (ص). فخرج ، فقال الحسين (ع) : «هذا شاب قُتل أبوه في المعركة ، ولعلّ اُمّه تكره خروجَه». فقال الشاب : اُمّي أمرتني بذلك. فبرز وهو يقول :
أميرِي حُسينٌ ونِعمَ الأميرْ |
|
سرورُ فؤادِ البَشيرِ النَّذيرْ |
عليٌّ وفاطمةٌ والداهْ |
|
فهلْ تعْلمونَ لهُ منْ نَظيرْ |
لهُ طلعةٌ مثلُ شمْسِ الضُّحَى |
|
لهُ غرّةٌ مثلُ بدرٍ مُنيرْ |
وقاتل حتّى قُتل وحُزّ رأسُه ورُمي به إلى عسكر الحسين (ع) ، فحملت اُمّه رأسه وقالت : أحسنتَ يا بُني ، يا سرور قلبي ويا قرّة عيني. ثمّ رمت برأس ابنها رَجلاً فقتلته ، وأخذت عمود خيمة وحملت عليهم وهي تقول :