المجلس الخامس والخمسون
لمّا كان يوم عاشوراء واشتدّ القتال ، صاح عمرو بن الحجّاج بالنّاس : يا حمقاء ، أتدرون مَن تقاتلون؟ تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر وقوماً مستميتين ، لا يبرز إليهم منكم أحد ، والله لو لمْ ترموهم إلاّ بالحجارة لقتلتموهم. فقال ابن سعد : صدقت. ثمّ أرسل إلى النّاس مَن يعزم عليهم أنْ لا يبارز رجل منكم رجلاً منهم. وحمل شمر في الميسرة على ميسرة أصحاب الحسين (ع) ، فثبتوا له وطاعنوه ، وحملوا على الحسين (ع) وأصحابه من كلّ جانب ، وقاتلهم أصحاب الحسين (ع) قتالاً شديداً ، فأخذت خيلهم تحمل ، وإنّما هي اثنان وثلاثون فارساً ، فلا تحمل على جانب من خيل الأعداء إلاّ كشفته ، فلمّا رأى ذلك عزرة بن قيس ـ وهو على خيل الأعداء ـ بعث إلى ابن سعد : أما ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدّة اليسيرة؟! ابعث إليهم الرّجال والرّماة. وقاتل أصحاب الحسين (ع) القوم أشدّ قتال خلقه الله حتّى انتصف النّهار ، فبعث ابن سعد الحُصين بن تميم في خمسمئة من الرّماة ، فاقتتلوا حتّى دنوا من الحسين (ع) وأصحابه ، فلمّا رأوا صبر أصحاب الحسين (ع) ، تقدّم الحُصين إلى أصحابه أنْ يرشقوا أصحاب الحسين (ع) بالنّبل ، فرشقوهم فلمْ يلبثوا أنْ عقروا خيولهم وجرحوا الرّجال ، وبقي الحسين (ع) وليس معه فارس ، وحمل شمر حتّى بلغ فسطاط الحسين (ع) ، فطعنه بالرمح ونادى : عليّ بالنّار حتّى أحرق هذا البيت على أهله. فصاحت النّساء وخرجنَ ، وصاح به الحسين (ع) : «أنت تحرق بيتي على أهلي؟! أحرقك الله بالنّار». فقال حميد بن مسلم : أتقتل الولدان والنّساء؟! والله ، إنّ في قتل الرّجال لما يرضى به أميرك. فلمْ يقبل ، فأتاه شبث بن ربعي فقال : أفزعنا النّساء ، ثكلتك اُمّك! فاستحيا وانصرف. وكان يُقتل من أصحاب الحسين (ع) الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلّتهم ، ويُقتل من أصحاب ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم.