المجلس السّادس والخمسون
لمّا كان يوم عاشوراء وحضر وقت صلاة الظهر ، قال أبو ثمامة الصّيداوي للحسين (ع) : يا أبا عبد الله ، نفسي لنفسك الفداء ، هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تُقتل حتّى اُقتل دونك ، واُحبّ أنْ ألقى الله ربّي وقد صلّيت هذه الصّلاة. فرفع الحسين (ع) رأسه إلى السّماء ، وقال : «ذكرتَ الصّلاة جعلك الله من المصلّين الذّاكرين ، نعم هذا أول وقتها». ثمّ قال : «سلوهم أنْ يكفّوا عنّا حتّى نصلّي». ففعلوا ، فقال لهم الحُصين بن تميم : إنّها لا تُقبل. فقال له حبيب بن مظاهر : زعمتَ لا تُقبل الصّلاة من آل رسول الله (ص) وأنصارهم وتُقبل منك يا خمّار! وقال الحسين (ع) لزهير بن القَين وسعيد بن عبد الله الحَنفي : «تقدّما أمامي حتّى اُصلّي». فتقدّما أمامه في نحو نصف من أصحابه حتّى صلّى بهم صلاة الخوف ، فوصل إلى الحسين (ع) سهم ، فتقدّم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النّبال بنفسه ما زال ولا تخطّى ، فما زال يُرمى بالنّبل حتّى سقط إلى الأرض وهو يقول : اللهمّ العنهم لعن عاد وثمود. اللهمّ بلّغ نبيّك عنّي السّلام وأبلغه ما لقيتُ من ألم الجراح ، فإنّي أردتُ ثوابك في نصر ذرّيّة نبيّك. وفي رواية : أنّه قال : اللهمَّ ، لا يعجزك شيء تريده ، فأبلغ محمّداً (ص) نصرتي ودفعي عن الحسين (ع) ، وارزقني مرافقته في دار الخلود. ثمّ قضى نحبه رضوان الله عليه ، فوُجِد فيه ثلاثة عشر سهماً سوى ما به من ضرب السّيوف وطعن الرّماح ، وفيه وفي الحُرّ وزهير يقول الشاعر :
سعيدَ بنَ عَبدِ الله لا تَنسينَهُ |
|
ولا الحُرَّ إذ آسى زهيراً على قصرِ |
فلَو وقفتْ صُمُّ الجبالِ مكانهُمْ |
|
لمادتْ على سهلٍ ودُكّتْ على وعرِ |
فمِنْ قائمٍ يستعرضُ النَّبلَ وجهُهُ |
|
ومِنْ مُقدمٍ يلقَى الأسنَّةَ بالصّدرِ |
وتقدّم سويد بن عمرو بن أبي المطاع ـ وكان شريفاً كثير الصّلاة ، شجاعاً مجرّباً في الحروب ـ فجعل يرتجز ويقول :