المجلس الثامن والخمسون
لمّا كان يوم عاشوراء ، خرج زهير بن القَين البجلي ، وهو من أهل الكوفة وكان شريفاً في قومه ، وكان في أول أمره عثمانيّاً ، فحجّ في تلك السّنة التي توجّه الحسين (ع) فيها إلى العراق ، فلمّا رجع من الحجّ جمعه الطريق مع الحسين (ع) ، فصار من أوليائه بعد ما كان من أعدائه. وهكذا تكون الأعمال بخواتيمها لا بمبادئها ، فكم من رجل كان أول أعماله خيراً ثمّ خُتم له بسوء ، وكم من رجل كان أول أعماله سيّئاً ثمّ خُتم له بخير كما جرى لزهير بن القَين والحُرّ بن يزيد ؛ فزهير كان من أعداء الحسين (ع) ، والحُرّ خرج لحربه ومنعه عن الرجوع وجَعْجَعَ به ثمّ صار من أوليائه وأنصاره ، وفدياه بأنفسهما حتّى قُتِلا بين يدَيه ، ونالا كرامة الشهادة وأعظم السّعادة ولمّا خطب الحسين (ع) أصحابه عند ملاقاة الحُرّ ، قام زهير فقال : قد سمعنا ـ هداك الله يابن رسول الله ـ مقالتك ، والله لو كانت الدّنيا لنا باقية وكنّا فيها مخلّدين ، لآثرنا النّهوض معك على الإقامة فيها. ولمّا خطبهم الحسين (ع) ليلة العاشر من المحرّم وأذن لهم في التفرّق عنه ، قام في جملة مَن قام زهير بن القَين ، وقال : والله يابن رسول الله ، لوددتُ أنّي قُتلت ثُمّ نُشرت ألف مرّة ، وأنّ الله يدفع بذلك القَتْل عنك وعن هؤلاء الفتية من أهل بيتك. ولمّا صفّ الحسين (ع) أصحابه للقتال يوم عاشوراء ، جعل زهيراً على الميمنة ، فبرز راكباً على فرس ذَنوب وهو شاكٍ في السّلاح ، وجعل يرتجز ويقول :
أنَا زُهيرٌ وأنا ابنُ القَينِ |
|
أذودُكمْ بالسّيفِ عنْ حُسينِ |
إنّ حُسيناً أحَدُ السّبطينِ |
|
منْ عِترةِ البَرِّ التقيِّ الزَّينِ |
ذاك رَسولُ اللهِ غيرُ المَينِ |
|
أضربكُمْ ولا أرَى منْ شَينِ |
يا ليتَ نَفسيْ قُسمتْ قِسمينِ