المجلس التاسع والخمسون
لمّا لم يبقَ مع الحسين (ع) سوى أهل بيته ، خرج علي بن الحسين الأكبر ، وكان من أصبح النّاس وجهاً وأحسنهم خلقاً ، وكان عُمرُه تسع عشرة سنة ، وقيل خمساً وعشرين سنة ، وفيه يقول الشاعر :
لمْ ترَ عينٌ نظرتْ مثلَهُ |
|
منْ مُحتَفٍ يمشيْ ومنْ ناعلِ |
لا يُؤثرُ الدّنيا على دِينهِ |
|
ولا يَبيعُ الحقَّ بالباطلِ |
وهو أول قتيل يوم كربلاء من آل أبي طالب ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ، ثمّ نظر إليه نظرة آيس منه وأرخى عينيه فبكى ، ثمّ رفع سبّابتيه نحو السّماء وقال : «اللهمَّ ، كنْ أنت الشهيد عليهم ، فقد برز إليهم غلام أشبه النّاس خَلقاً وخُلقاً ومَنطِقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيّك نظرنا إليه». ثمّ رفع صوته وتلا : إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. فشدّ عليٌ على النّاس وهو يقول :
أنَا عليُ بنُ الحُسينِ بنِ عليْ |
|
نحنُ وبيتِ اللهِ أولَى بالنَّبيْ |
تاللهِ لا يحكمُ فينا ابنُ الدَّعيْ |
|
أضربُ بالسّيفِ اُحاميْ عن أبيْ |
ضربَ غُلامٍ هاشميٍّ علويْ
فجعل يشد عليهم ثمّ يرجع إلى أبيه فيقول : يا أباه ، العطش. فيقول له الحسين (ع) : «اصبر حبيبي ، فإنّك لا تمسي حتّى يسقيك رسول الله (ص) بكأسه». وفي رواية : أنّه قال : «يا أبة ، العطش قتلني وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من الماء سبيل؟». فبكى الحسين (ع) وقال : «يا غوثاه! يا بُنَي ، من أين آتي لك بالماء؟ قاتِل قليلاً فما أسرع ما تلقى جدّك