المجلس الستّون
لمّا كان يوم عاشوراء ، ولمْ يبقَ مع الحسين (ع) سوى أهل بيته ، خرج القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، وهو غلام لم يبلغ الحُلم ، فلمّا نظر الحسين (ع) إليه قد برز ، اعتنقه وجعلا يبكيان ، ثمّ استأذن عمّه في المبارزة فأبى أنْ يأذن له ، فلمْ يزل الغلام يُقبّل يدَيه ورجليه حتّى أذن له ، فخرج ودموعُه تسيل على خدّيه وهو يقول :
إنْ تنْكرُونيْ فأنَا إبنُ الحَسنْ |
|
سبطِ النّبيِّ المُصطفَى والمُؤتمَنْ |
هذا حُسينٌ كالأسيرِ المُرْتهنْ |
|
بين اُناسٍ لا سُقوْا صَوبَ المُزنْ |
فقاتل قتالاً شديداً. قال حميد بن مسلم : خرج علينا غلام كأنّ وجهُه شقّة قمر ، وفي يده سيف وعليه قميص وإزار وفي رجليه نعلان ، فمشى يضرب بسيفه ، فانقطع شِسْعُ إحدى نعليه ـ ولا أنسى أنّها كانت اليسرى ـ فوقف ليشدّها ، فقال لي عمرو بن سعد بن نُفَيل الأزدي : والله ، لأشدّنّ عليه. فقلتُ : سُبحان الله! وما تريد بذلك؟ والله ، لو ضربني ما بسطتُ إليه يدي ، يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه. فقال : والله ، لأشدّن عليه. فشدّ عليه فما ولّى حتّى ضرب رأسه بالسيف ففلقه ، ووقع الغلام إلى الأرض لوجهه ونادى : يا عمّاه! فجلى الحسين (ع) كما يجلي الصقر ، ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب فضرب عمرو بن سعد بن نُفيل بالسيف فاتّقاها بالسّاعد فقطعها من لدن المرفق ، فصاح صيحةً سمِعها أهل العسكر ، ثمّ تنحّى عنه الحسين (ع). وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه فوطئت الخيل عَمراً حتّى مات ، وانجلت الغبرة فإذا بالحسين (ع) قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه ، والحسين (ع) يقول : «بُعداً لقوم قتلوك ، ومَن خصمهم يوم القيامة فيك جدّك وأبوك». ثم قال (ع) : «عزّ والله على عمّك أنْ تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوتٌ والله كثُر واتره وقلّ ناصره». ثمّ حمله ووضع صدره على صدره ، وكأنّي أنظر إلى رجلَي الغلام يخطّان الأرض ، فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه علي والقتلى من أهل بيته. فسألتُ عنه ، فقيل لي