المجلس الخامس والستّون
لمّا قُتل جميع أنصار الحسين (ع) وأهل بيته ، خرج غلام من خباء من أخبية الحسين (ع) ، وهو محمّد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب ، وفي اُذنيه درّتان ، فأخذ بعود من عيدان الخباء وهو مذعور ، فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان ، فحمل عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فضربه بالسيف فقتله ، فصارت اُمّه شهربانويه تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة. ونادى الحسين (ع) : «هل من ذابٍّ يذبّ عن حرم رسول الله (ص)؟ هل من موحّدٍ يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟». وتقدّم إلى باب الخيمة وقال لزينب : «ناوليني وَلَدي الصغير حتّى اُودّعه». فاُتي بابنه عبد الله ـ واُمّه الرباب بنت امرئ القيس ـ فأخذه وأجلسه في حجره ، وأومأ إليه لِيقَبّله فرماه حرملة بن كاهل ـ أو كاهن ـ الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه ، فقال (ع) لزينب : «خذيه». ثمّ تلقّى الدّم بكفّيه ، فلّما امتلأتا رمى بالدّم نحو السّماء ، ثمّ قال : «هوّن عليّ ما نزل به أنّه بعين الله». وفي رواية : أنّه صَبّه في الأرض ، ثمّ قال : «يا ربِّ ، إنْ حبَستَ عنّا النّصر من السّماء ، فاجعل ذلك لما هو خير منه». ثمّ حمله حتّى وضعه مع قتلى أهل بيته. وفي رواية : أنّه حفر له بجفن سيفه ورمّله بدمه فدفنه.
ومنعطفاً أهوَى لتقبيلِ طفلِهِ |
|
فقبّلَ منه قبلَهُ السّهمُ منْحرَا |
لقدْ ولِدا في ساعةٍ هو والرّدَى |
|
ومَن في نحرِهِ السّهمُ كبّرَا |
صبيٌّ وهو بين يدي أبيهِ |
|
اُصيبَ فأيُّ ذنبٍ للصَّبيِّ |