المجلس السّابع والستّون
لمّا قُتل أنصار الحسين (ع) وأهل بيته ، دعا النّاس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كلَّ مَن برز إليه حتّى قتل مقتلةً عظيمة ، ثمّ حمل على الميمنة وهو يقول :
القتلُ أولَى من ركوبِ العارِ |
|
والعارُ أولى من دخولِ النّارِ |
واللهِ منْ هذا وهذا جاري
ثم حمل على الميسرة وهو يقول :
أنا الحسينُ بنُ عليْ |
|
آليتُ أنْ لا أنثني |
أحمي عيالاتِ أبي |
|
أمضي على دينِ النّبي |
ولمّا بقي في ثلاثة من أهله ، قال : «ابغوني ثوباً لا يرغب فيه أحد أجعله تحت ثيابي ؛ لئلاّ اُجرّد منه بعد قتلي ، فإنّي مقتول مسلوب». فاُتي بتبّان (١) ، قال : «لا ، ذاك لباس مَن ضُربت عليه الذلّة ، ولا ينبغي لي أنْ ألبسه». فأخذ ثوباً خَلِقاً فخرّقه وجعله تحت ثيابه ، فلمّا قُتل جرّدوه منه ، ثمّ استدعى بسراويل من حبرة يمانية يلمع فيها البصر ، ففزرها ولبسها ؛ وإنّما فزرها لئلاّ يسلبها بعد قتله ، فلمّا قُتل (ع) سلبها منه بحر بن كعب وتركه مجرّداً. وأقبل الحسين (ع) على القوم يدفعهم عن نفسه ، والثلاثة الذين معه يحمونه حتّى قُتل الثلاثة وبقي وحده ، وقد اُثخن بالجراح في رأسه وبدنه ، فجعل يضاربهم بسيفه ، وحمل النّاس عليه عن يمينه وشماله ، فحمل على الذين عن يمينه فتفرّقوا ، ثمّ حمل على الذين عن يساره فتفرّقوا. قال بعض الرواة : فوالله ، ما رأيت مكثوراً (أي مغلوباً) قط قد قُتل وُلده وأهل بيته وأصحابه ، أربط جأشاً ، ولا أمضى جناناً ، ولا أجرأ مقدماً منه. والله ، ما رأيت قبله
______________________
(١) تُبّان ، بوزن رُمّان : سروال صغير يستر العورة. ـ المؤلّف ـ