المجلس الثالث
في كتاب (وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى) للسمهودي الشافعي ، عن علي (ع) قال : «زارنا النبي (ص) فبات عندنا ، والحسن والحسين نائمان ، واستسقى الحسن ، فقام النبي (ص) وأخذ قربة لبناً ، فصبّ منها في القدح ثمّ جعل يسقيه ، فتناول الحسين فمنعه وبدأ بالحسن ، فقالت فاطمة : يا رسول الله ، كأنّه أحبّ إليك؟ قال : إنّما استسقى أولاً. ثمّ قال رسول الله (ص) : إنّي وإيّاك وهذان وهذا الراقد (يعني عليّاً) يوم القيامة في مكان واحد». لمْ يدع النبي (ص) فاطمة عليهاالسلام أنْ تسقي الحسن (ع) لمّا استسقى ، بل قام وسقاه بنفسه ثمّ سقى الحسين (ع) ؛ وذلك لأنّ الحسن طلب أولاً ، والماء لمَن طلب أولاً. بذلك ظهر مقدار كرامة الحسنَين عليهماالسلام عند النّبي (ص) حتّى أنّه لمْ يدع اُمّهما تسقيهما حتّى سقاهما بنفسه. فليتك يا رسول الله حضرت يوم كربلاء ، ورأيت ولدك الحسين (ع) ، وقد اشتدّ به العطش ، عندما منعه جيش بني اُميّة من الماء وحالوا بينه وبين ماء الفرات ، وجعل يطلب شربة من الماء فلا يجد ، وكلّما حمل بفرسه على الفرات ليشرب حملوا عليه حتّى أجلوه عنه ، فكنتَ تسقيه الماء كما سقيته في بيت اُمّه بنفسك ، ولم تدع اُمّه تنوب عنك في ذلك! قال السمهودي : وعن علي (ع) قال : «زارنا رسول الله (ص) ، فعملنا له خزيرة ـ وهي لحم يقطع صغاراً ويصبّ عليه ماء كثير ، فإذا نضج ذرّ عليه الدقيق ـ ، وأهدت لنا اُمّ أيمَن قعباً من لبن وصحفة من تمر ، فأكل رسول الله (ص) وأكلنا معه ، ثمّ وضّأت رسول الله (ص) ـ أي غسلت يديه ـ فمسح رأسه وجبهته ولحيته بيده ، ثمّ استقبل القبلة فدعا بما شاء الله ، ثمّ أكبّ إلى الأرض بدموع غزيرة ، يفعل ذلك ثلاث مرّات ، فتهيبنا رسول الله (ص) أنْ نسأله ، فوثب الحسين على ظهر رسول الله (ص) وبكى ، فقال له رسول الله (ص) : بأبي واُمّي ، ما يُبكيك؟ قال : يا أبتِ ، رأيتك تصنع شيئاً ما رأيتك تصنع مثله! فقال رسول الله (ص) : يا بُني ، سُررتُ بكم اليومَ سروراً لم اُسرّ بكم مثله قط ، وأنّ حبيبي جبرائيل (ع) أتاني وأخبرني أنّكم قتلى وأنّ مصارعكم شتّى ؛ فأحزنني ذلك ودعوت الله