المجلس التاسع والسّبعون
لمّا قُتل الحسين (ع) صعد ابن زياد المنبر ، فقال : الحمد لله الذي أظهر الحقّ وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه ، وقتل الكذّاب ابن الكذّاب وشيعته. فما زاد على هذا الكلام شيئاً حتّى قام إليه عبد الله بن عفيف الأزدي ـ وكان من خيار الشّيعة وزهّادها وكانت عينُه اليسرى ذهبت في حرب الجمل والاُخرى في يوم صفّين ، وكان يُلازم المسجد الأعظم يصلّي فيه إلى الليل ثمّ ينصرف ـ فقال : يابن مرجانة ، إنّ الكذّاب ابن الكذّاب أنت وأبوك ومَن استعملك وأبوه. يا عدوّ الله ، أتقتلون أبناء النبيّين وتتكلّمون بهذا الكلام على منابر المسلمين؟! فغضب ابن زياد وقال : مَن هذا المتكلّم؟ فقال : أنا المتكلّم يا عدوّ الله ، أتقتل الذرّيّة الطاهرة التي قد أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً ، وتزعم أنّك على دين الإسلام؟! وآغوثاه! أين أولاد المهاجرين والأنصار ينتقمون منك ومن طاغيتك اللّعين ابن اللّعين على لسان محمّد رسول ربّ العالمين؟ فازداد غضب ابن زياد حتّى انتفخت أوداجُه وقال : عليّ به. فتبادرت إليه الجلاوزة من كلّ ناحية ليأخذوه ، فقامت الأشراف من الأزد من بني عمّه فخلّصوه منهم وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به إلى منزله. فقال ابن زياد : اذهبوا إلى هذا الأعمى أعمى الأزد ، أعمى الله قلبه كما أعمى عينيه ، فائتوني به. فلمّا بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم ، وبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمّهم إلى محمّد بن الأشعث وأمره بقتال القوم ، فاقتتلوا قتالاً شديداً حتّى قتل بينهم جماعة من العرب ، ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه ، فصاحت ابنته : أتاك القوم من حيث تحذر. فقال : لا عليك ، ناوليني سيفي. فناولته إيّاه ، فجعل يذبّ عن نفسه ويقول :
أنا ابنُ ذي الفضلِ عفيفِ الطّاهرِ |
|
عفيفُ شيخي وابنُ اُمِّ عامرِ |