المجلس الثاني والثمانون
عن سهل بن سعد أنّه قال : خرجت إلى بيت المقدس حتّى توسطت الشام ، فإذا أنا بمدينة مطّردة الأنهار كثيرة الأشجار وقد علّقوا السّتور والحُجب والديباج وهم فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول ، فقلت في نفسي : ترى لأهل الشام عيد لا نعرفه نحن! فرأيت قوماً يتحدّثون فقلت : يا قوم ، ألكم بالشام عيد لا نعرفه نحن؟ قالوا : يا شيخ ، نراك غريباً. فقلت : أنا سهل بن سعد قد رأيت محمّداً (ص). قالوا : يا سهل ، ما أعجب السّماء لا تمطر دماً والأرض لا تنخسف بأهلها! قلت : ولِم ذاك؟ قالوا : هذا رأس الحسين عترة محمّد (ص) يُهدى من أرض العراق. فقلت : وآ عجباً يُهدى رأس الحسين (ع) والنّاس يفرحون! وقلت : من أيّ باب يدخل؟ فأشاروا إلى باب يقال له باب السّاعات ، فبينا أنا كذلك حتّى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضاً ، فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السّنان عليه رأس من أشبه النّاس وجهاً برسول الله (ص) ، فإذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء ، فدنوت من اُولاهن فقلت : يا جارية ، مَن أنت؟ فقالت : أنا سكينة بنت الحسين. فقلت لها : ألك حاجة إليّ فأنا سهل بن سعد ممَّن رأى جدّك وسمعت حديثه؟ قالت : يا سهل ، قُل لصاحب هذا الرأس أنْ يُقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل النّاس بالنظر إليه ، ولا ينظروا إلى حرم رسول الله (ص). قال سهل : فدنوت من صاحب الرأس فقلت له : هل لك أنْ تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمئة دينار؟ قال : ما هي؟ قلت : تقدّم الرأس أمام الحرم. ففعل ذلك ودفعت إليه ما وعدته. وروي أنّ بعض فضلاء التابعين ، وهو خالد بن معدان ، لمّا شاهد رأس الحسين (ع) بالشام ، أخفى نفسه شهراً من جميع أصحابه ، فلمّا وجدوه بعد إذ فقدوه وسألوه عن سبب ذلك ، فقال : ألا ترون ما نزل بنا؟! ثمّ أنشأ يقول :
جاؤوا برأسِكَ يابنَ بنتِ محمّد |
|
مُترمّلاً بدمائِهِ تَرمِيلا |