المجلس الثالث والثمانون
لمّا اُدخل ثقل الحسين (ع) ونساؤه ومَن تخلّف من أهله على يزيد ، وهم مقرونون في الحبال وزين العابدين (ع) مغلول ، ووقفوا بين يدَيه وهم على تلك الحال ، قال له علي بن الحسين عليهماالسلام : «اُنشدك الله يا يزيد ، ما ظنّك برسول الله (ص) لو رآنا على هذه الصفة؟». فلم يبقَ في القوم أحد إلاّ وبكى ، فأمر يزيد بالحبال فقُطعت وأمر بفكّ الغلّ عن زين العابدين (ع) ، ثم وضع رأس الحسين (ع) بين يدَيه وأجلس النّساء خلفه ؛ لئلاّ ينظرن إليه ، فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لينظرا إلى الرأس ، وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس ، فلما رأينَ الرأس صِحن فصاحت نساء يزيد وولولت بنات معاوية ، فقالت فاطمة بنت الحسين (ع) : أبنات رسول الله سبايا يا يزيد؟ فبكى النّاس وبكى أهل داره حتّى علت الأصوات. وأمّا زينب عليهاالسلام ، فإنّها لمّا رأته أهوت إلى جيبها فشقّته ، ثمّ نادت بصوت حزين يُقرح القلوب : يا حسيناه! يا حبيب رسول الله! يابن مكّة ومِنى! يابن فاطمة الزهراء سيّدة النّساء! يابن بنت المصطفى! قال الراوي : فأبكت والله كلّ مَن كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت ، ثمّ جعلت امرأة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين (ع) وتنادي : يا حبيباه! يا سيّد أهل بيتاه! يابن محمّداه! يا ربيع الأرامل واليتامى! يا قتيل أولاد الأدعياء! فأبكت كلّ مَن سمعها. وكان في السّبايا الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين (ع) ، وهي اُمّ سكينة بنت الحسين (ع) واُمّ عبد الله الرضيع المقتول بكربلاء ، وهي التي يقول فيها الحسين (ع).
لعَمرُكَ إنّني لاُحبُّ داراً |
|
تَحلُّ بها سَكينَةُ والرَّبابُ |
اُحِبُّهُما وأبذلُ فوقَ جهدي |
|
وليس لعاذلٍ عندي عِتابُ |
ولستُ لهمْ وإنْ عَتبوا مُطيعاً |
|
حَياتي أو يُغيّبُني التُّرابُ |
فقيل : إنّ الرّباب أخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبّلته ، وقالت :