المجلس السّابع والثمانون
لمّا جيء بسبايا أهل البيت (ع) إلى يزيد بالشام ، أمر يزيد بمنبر وخطيب ، وأمر الخطيب أنْ يصعد المنبر فيذمّ الحسين وأباه صلوات الله عليهما ، فصعد الخطيب المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ بالغ في ذمّ أمير المؤمنين والحسين الشهيد ، وأطنب في مدح معاوية ويزيد فذكرهما بكلّ جميل ، فصاح به علي بن الحسين عليهماالسلام : «ويلك أيّها الخاطب! اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق ، فتبوّأ مقعدك من النار». ثم قال علي بن الحسين عليهماالسلام : «يا يزيد ، أتأذن لي حتّى أصعد هذه الأعواد فأتكلّم بكلمات لله فيهنّ رضىً ولهؤلاء الجلساء فيهنّ أجر وثواب؟». فأبى يزيد عليه ذلك ، فقال النّاس : يا أمير المؤمنين ، ائذن له فليصعد المنبر فلعلّنا نسمع منه شيئاً. فقال : إنّه إنْ صعد لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان. فقيل له : وما قدر ما يُحسن هذا؟ فقال : إنّه من أهل بيت زقّوا العلم زقّاً. فلم يزالوا به حتّى أذِن له ، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ خطب خطبة أبكى فيها العيون وأوجل منها القلوب ، ثمّ قال : «أيّها النّاس ، اُعطينا ستّاً وفُضّلنا بسبع ؛ اُعطينا العلم والحلم ، والسّماحة والفصاحة ، والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفُضلّنا بأنّ منّا النبيّ المختار محمّداً (ص) ، ومنّا الصدّيق ومنّا الطيّار ، ومنّا أسد الله وأسد رسوله ، ومنّا سيّدة نساء العالمين ، ومنّا سبطا هذه الاُمّة. مَن عرفني فقد عرفني ومَن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي ...» فلم يزل يقول : «أنا ... أنا» حتّى ضجّ النّاس بالبكاء والنحيب ، وخشي يزيد أنْ تكون فتنة ، فأمر المؤذّن فقطع عليه الكلام ، فلمّا قال المؤذّن : الله أكبر ، الله أكبر. قال علي بن الحسين عليهماالسلام : «لا شيء أكبر من الله». فلمّا قال : أشهد أنْ لا إله إلاّ الله ، قال علي بن الحسين (ع) : «شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي». فلمّا قال المؤذّن : أشهد أنّ محمّداً رسول الله. التفت (ع) من فوق المنبر إلى يزيد فقال : «محمّد هذا جدّي أم جدّك يا يزيد؟ فإنْ زعمت أنّه جدّك فقد كذبت وكفرت ، وإنْ زعمت أنّه جدّي فلِم قتلت عترته؟». ولقد أحسن ابن سنان الخفاجي حيث يقول :