المجلس التاسع والثمانون
لمّا رجع أهل البيت عليهمالسلام من الشام إلى المدينة ، قالوا للدليل : مُر بنا على طريق كربلاء. فلمّا وصلوا إلى موضع المصرع ، وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، وجماعة من بني هاشم ، ورجالاً من آل الرسول (ص) قد وردوا لزيارة قبر الحسين (ع) ، فتوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم ، وأقاموا المآتم واجتمع عليهم أهل ذلك السّواد ، وأقاموا على ذلك أياماً. وعن الأعمش عن عطيّة العوفي قال : خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري (رضي الله عنه) زائراً قبر الحسين (ع) ، فلمّا وردنا كربلاء ، دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثمّ ائتزر بإزار وارتدى بآخر ، ثمّ فتح صرّة فيها سعد فنثرها على بدنه ، ثمّ لمْ يخطُ خطوة إلاّ ذكر الله تعالى ، حتّى إذا دنا من القبر قال : المسنيه يا عطيّة. فألمسته إيّاه ، فخرّ على القبر مغشيّاً عليه ، فرششت عليه شيئاً من الماء ، فلمّا أفاق قال : يا حسين! (ثلاثاً) ثمّ قال : حبيب لا يُجيب حبيبه. ثمّ قال : وأنّى لك بالجواب وقد شُخبت أوداجك على أثباجك وفُرّق بين بدنك ورأسك ، أشهد أنّك ابن خير النبيّين وابن سيّد المؤمنين ، وابن حليف التّقوى وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكسا وابن سيّد النّقبا وابن فاطمة سيّدة النّساء ، وما لك لا تكون هكذا وقد غذّتك كفّ سيّد المرسلين ، وربيت في حجر المتّقين ، ورضعت من ثدي الإيمان وفطمت بالإسلام ، فطبت حيّاً وطبت ميتاً ، غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة بفراقك ، ولا شاكّة في حياتك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريّا (ع). ثمّ جال ببصره حول القبر وقال : السّلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفِناء الحسين (ع) وأناختْ برحله ، أشهد أنّكم أقمتم الصّلاة وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتّى أتاكم اليقين. والذي بعث محمّداً بالحقّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. قال عطيّة : فقلت لجابر : فكيف ولمْ نهبط وادياً ولمْ نعلُ جبلاً ولمْ نضرب بسيف ، والقوم قد فُرّق بين رؤوسهم وأبدانهم ، واُوتمت أولادهم ، واُرملت الأزواج