المجلس التسعون
لمّا رجع علي بن الحسين عليهماالسلام بعمّاته وأخواته من الشام ، مرّوا على كربلاء ثمّ انفصلوا عنها طالبين المدينة. قال بشير بن جذلم : فلمّا قربنا منها ، نزل علي بن الحسين عليهماالسلام فحطّ رحله وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ، وقال : «يا بشير ، رحم الله أباك لقد كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء منه؟». قلت : بلى يابن رسول الله ، إنّي لشاعر. قال : «فادخل المدينة وانعَ أبا عبد الله». قال بشير : فركبت فرسي وركضت حتّى دخلت المدينة ، فلمّا بلغت مسجد النّبي (ص) ، رفعت صَوتي بالبكاء وأنشأت أقول :
يا أهلَ يثربَ لا مُقامَ لكُمْ بها |
|
قُتل الحُسينُ فأدمُعي مِدرارُ |
الجسمُ منهُ بكربلاءَ مُضرّجٌ |
|
والرأسُ منهُ على القناةِ يُدارُ |
ثم قلت : يا أهل المدينة ، هذا علي بن الحسين عليهماالسلام مع عمّاته وأخواته قد حلّوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم ، وأنا رسوله إليكم اُعرّفكم مكانه. قال : فما بقيت بالمدينة مخدّرة ولا محجّبة إلاّ برزن من خدورهن ، مكشوفة شعورهن ، مخمشة وجوههن ، ضاربات خدودهن يدعين بالويل والثبور ، ولمْ يبقَ بالمدينة أحد إلاّ خرج وهم يضجّون بالبكاء ، فلم أرَ باكياً أكثر من ذلك اليوم ولا يوماً أمرّ على المسلمين منه بعد وفاة رسول الله (ص) ، وسمعتُ جارية تنوح على الحسين (ع) وتقول :
نعَى سيّدي ناعٍ نَعاهُ فأوجَعا |
|
وأمرَضَني ناعٍ نَعاهُ فأفجَعا |
فعينَيَّ جُودا بالدموعِ وأسكبا |
|
وجُودا بدمعٍ بعدَ دمْعِكُما مَعا |
على مَنْ دهَى عرشَ الجليلِ فزَعْزعا |
|
فأصبحَ هذا المجدُ والدّينُ أجدَعا |
على ابن نبيِّ اللهِ وابنِ وصيِّهِ |
|
وإنْ كان عنَّا شاحطَ الدّارِ أشْسَعا |
ثم قالت : أيّها الناعي ، جدّدت حزننا بأبي عبد الله (ع) ، وخدشت منّا قروحاً لمّا