المجلس الحادي والتسعون
قال الصادق (ع) : «البكّاؤون خمسة : آدم ، ويعقوب ، ويوسف ، وفاطمة بنت محمّد وعلي بن الحسين (ع) ؛ فأمّا آدم (ع) فبكى على الجنّة ؛ أمّا يعقوب فبكى على يوسف (ع) حتّى ذهب بصره ، وحتّى قيل له : تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ ؛ وأمّا يوسف فبكى على يعقوب (ع) حتّى تأذّى به أهل السّجن فقالوا : إمّا أنْ تبكي بالنّهار وتسكت بالليل ، وإمّا أنْ تبكي بالليل وتسكت بالنّهار ، فصالحهم على واحد منهما ؛ وأمّا فاطمة بنت محمّد (ص) فبكت على رسول الله (ص) حتّى تأذّى بها أهل المدينة ، وقالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك ، فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي حتّى تقضي حاجتها ثمّ تنصرف ؛ وأمّا علي بن الحسين (ع) فبكى على أبيه الحسين أربعين سنة ، وما وُضع بين يدَيه طعام إلاّ بكى حتّى قال له مولىً له : جُعلت فداك يابن رسول الله إنّي أخاف عليك أنْ تكون من الهالكين. قال : إنّما أشكو بثّي وحُزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة».
وعن الصادق (ع) أنّه بكى على أبيه الحسين (ع) أربعين سنة صائماً نهاره قائماً ليله ، فإذا حضره الإفطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يدَيه ، فيقول : «قُتل ابن رسول الله جائعاً ، قُتل ابن رسول الله عطشان». فلا يزال يكرّر ذلك ويبكي حتّى يبل طعامه من دموعه ثمّ يمزج شرابه بدموعه ، فلم يزل كذلك حتّى لحق بالله عزّ وجل.
وفي رواية : أنّه كان إذا حضر الطعام لإفطاره ، ذكر قتلاه وقال : «وآ كربلاء!» يُكرّر ذلك ويقول : «قُتل ابن رسول الله جائعاً ، قُتل ابن رسول الله عطشان» حتّى يبل بالدموع ثيابه. وحدّث مولى له : أنّه برز يوماً إلى الصحراء ، قال : فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة ، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه ، وأحصيت عليه ألف مرّة وهو يقول : «لا