المجلس الثاني والتسعون
لمّا قُتل الحسين (ع) ، أتى عبد الله بن الزّبير فدعا ابن عبّاس إلى بيعته فامتنع ابن عبّاس ، وظنّ يزيد أنّ امتناع ابن عبّاس تمسّك منه ببيعته ، فكتب إليه : أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ الملحد ابن الزّبير دعاك إلى بيعته والدخول في طاعته لتكون له على الباطل ظهيراً وفي المآثم شريكاً ، وأنّك اعتصمت ببيعتنا وفاءً منك لنا وطاعة لله لما عرَّفك من حقِّنا ، فجزاك الله عن ذي رحم خير ما يجزي الواصلين لأرحامهم ، الموفين بعهودهم ، فما أنسَ من الأشياء فلست بناسٍ بِرّك وتعجيل صلتك بالذي أنت له أهل من القرابة من الرّسول ، فانظر مَن طلع عليك من الآفاق ممَّن سحرهم ابن الزّبير بلسانه وزُخرف قوله ، فأعلمهم برأيك ؛ فإنّهم منك أسمع ولك أطوع ، والسّلام. فكتب إليه ابن عبّاس : أمّا بعد ، فقد جاءني كتابك تذكر فيه دعاء ابن الزّبير إيّاي إلى بيعته والدخول في طاعته ، فإنْ يكن ذلك كذلك ، فإنّي والله ما أرجو بذلك برّك ولا حمدك ، ولكنّ الله بالذي أنوي به عليم. وزعمت أنّك غير ناسٍ برّي وتعجيل صلتي ، فاحبس أيّها الإنسان برّك وتعجيل صلتك فإنّي حابس عنك ودّي ، فلَعمري ما تؤتينا ممّا لنا قِبلك من حقِّنا إلاّ اليسير ، وأنّك لتحبس عنّا منه العريض الطويل. وسألت أنْ أحثّ النّاس إليك وأنْ اُخذّلهم عن ابن الزّبير ، فلا ولاء ولا سرور ولا حباء ، إنّك تسألني نصرتك وتحثّني على ودّك وقد قتلت حسيناً (ع) وفتيان عبد المطّلب مصابيح الهدى ونجوم الأعلام ، غادرتْهم خيولك بأمرك في صعيد واحد مرمّلين بالدّماء ، مسلوبين بالعراء ، لا مكفّنين ولا موسّدين ، تسفي عليهم الرياح وتنتابهم عرج الضّباع حتّى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم كفّنوهم وأجنوهم ، وجلست مجلسك الذي جلست! فما أنسى من الأشياء فلستُ بناسٍ طرادك حسيناً (ع) من حرم رسول الله (ص) إلى حرم الله وتسييرك إليه الرجال لتقتله في الحرم ، فما زلتَ بذلك وعلى ذلك حتّى أشخصته من مكّة إلى العراق ، فخرج خائفاً يترقّب ، فزلزلت به خيلك ؛ عداوةً منك لله ولرسوله ولأهل بيته الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً