المجلس السّابع والتّسعون
كان نوح (ع) أوّل اُولي العزم من الرُسل ، وهم خمسة : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد. ومعنى اُولي العزم : اُولو القّوة ؛ لأنّهم أمروا باظهار دعوتهم وأعلانها للناس كافّة ، قال الله تعالى : (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرّسُلِ). وروى المسعودي في كتاب إثبات الوصية ، أنّ نوح لبث في قومه يدعوهم إلى الله فلا يزيدهم دعاؤه إلاّ فراراً منه وطغياناً ، وأوحى الله إلى نوحٍ أنْ أحمل في السّفينة (مِن كُلّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) : أي من كُلّ جنس من الحيوانات زوجين ذكراً واُنثى. (وَأَهْلَكَ إِلاّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) : وهي امرأته. (ومَن آمن) بك من غير أهلك. (وَمَا آمَنَ مَعَهُ الاّ قَلِيلٌ). قيل كانوا ثمانين ، وقيل ثمانية وسبعين ، وقيل ثمانية ، وقيل سبعة من رجال ونساء ، وفيهم أبناؤه الثّلاثة سام وحام ويافث ، وثلاث زوجات لهم. (وَنَادَى نوحٌ ابْنَهُ) كنعان (وكان في معزلٍ) عن السّفينة (يَا بُنَيّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلاَ تُكُن مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إلى جَبَلٍ يَعْصِمُني مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الاّ مَن رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ... وَنَادَى نُوحٌ رَبّهُ فَقَالَ رَبّ إِنّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنّ وَعْدَكَ الْحَقّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَانُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الذّين وعدتك بنجاتهم ؛ لكونه على غير دينك (إِنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) : أي صاحب عمل غير صالح. قال أبو فراس :
كانت مودّةُ سلمانٍ لهمْ رحماً |
|
ولم يكُن بين نوحٍ وابنه رحمُ |
وشرف مقام النّبوة يوجب تنزيه نساء الأنبياء عن الزِّنا ، فيجوز في زوجة النّبي أنْ تكون كافرة كزوجة نوح وزوجة لوط ، ولا يجوز أنْ تكون زانية. وأمّا قوله تعالى : (ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا). فخيانة امرأة نوح أنّها كانت تنسبه إلى الجنون ، وخيانة امرأة لوط أنّها كانت تدّل على أضيافه. وبقي نوح ومن معه في السّفينة سبعة أيام واستوت على