المجلس الثّامن والتّسعون
قال الله تعالى : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً وَاتّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّى وَعَهِدْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أنْ طَهّرَا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرّكّعِ السّجُودِ * وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً ثُمّ أَضْطَرّهُ إلى عَذَابِ النّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبّنَا تَقَبّلْ مِنّا إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ). فبنى إبراهيم (ع) البيت ونقل إسماعيل (ع) الحجر من ذي طوى ، فقال إبراهيم (ع) لمّا فَرِغَ من بناء البيت : (رَبّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً). روي عن الامام الصّادق (ع) : «مَن دخل الحرم مستجيراً به فهو آمن من سخط الله عزّ وجل ، ومَن دخله من الوحش والطّير كان آمناً من أنْ يُهاج أو يؤذى حتّى يخرج من الحرم ؛ وذلك قوله تعالى :(وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنّاسِ وَأَمْناً). بأنْ حكم أنّ مَن عاذ به والتجأ إليه لا يخاف على نفسه ما دام فيه. وكان العرب لا يتعرّضون لمن فيه فهو آمن على نفسه وماله ، وإنْ كانوا يخطفون النّاس من حوله ، وكان قبل الإسلام يرى الرّجل قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرض له.
ألا قاتل الله بني اُميّة فإنّهم ما راعوا حُرمة الله ، فأخافوا سبط رسول الله وريحانته الحسين وهو في الحرم ؛ وذلك لمّا أنفذ يزيد عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة إلى مكّة في عسكرٍ عظيم ، وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلهم ، وأوصاه بقبض الحسين (ع) سرّاً وإنْ لم يتمكن منه يقتله غيلة. ثُمّ إنّ يزيد دسّ له مع الحاج في تلك السّنة ثلاثين رَجُلاً من شياطين بني اُميّة ، وأمرهم بقتل الحسين (ع) على أيّ حال اتّفق ، فلمّا علم الحسين (ع) بذلك ، عزم على التّوجه إلى العِراق ، وكان قد أحرم بالحجّ ، فطاف بالبيت وسعى بين الصّفى والمروة وقصّر من شعره وأحلّ من إحرام الحجّ