المجلس الرّابع بعد المئة
كان هاشم بن عبد مُناف جدّ النّبي (ص) جواداً كريماً عظيماً في قومه ، وأسمه عمرو ، وإنّما سُمّي هاشماً ؛ لأنّه أول من هشم الثّريد وأطعمه النّاس ، وفيه يقول الشّاعر :
يا أيّها الرّجلُ المحوّلُ رحلَهُ |
|
هلاّ نزلت بآل عبد منافِ |
هبلتك اُمّك لو نزلت بحيّهمْ |
|
أمنوك من جوعٍ ومن أقرافِ |
الخالطون غنيَّهم بفقيرهمْ |
|
والقائلون هلُمّ للأضيافِ |
عمرو العُلا هشم الثّريد لقومهِ |
|
ورجالُ مكّة مسنتونَ عجاف! |
بسطوا إليه الرّحلتين كليهما |
|
عند الشّتاء ورحلة الأصيافِ |
وكان قد تزوج سلمى بنت عمرو من بني النجّار من أهل المدينة ، فلمّا حملت بعبد المطّلب ، سافر هاشم تاجراً إلى غزّة من بلاد الشّام واستخلف عنه أخاه المطّلب ، ومات هاشم في سفره ذلك ودُفن بغزّة ، فولدت سلمى عبد المطّلب ، واسمه شيبةُ الحمد ، وإنّما سُمّي عبد المطّلب ؛ لأنّ عمّه المطّلب لمّا كبر أراد أخذه إلى مكّة ، فامتنعت اُمّه وأخواله من تسليمه ، فواعده مكاناً وأخذه خفية وأركبه خلفه ، فكان إذا سُئل عنه يقول : هذا عبدي ، فسُمّي عبد المطّلب. ولمّا حضرت هاشماً الوفاة ، قال لعبيده : سنّدوني وائتوني بدواة وقُرطاس. فأتوه بما طلب وجعل يكتب وأصابعه ترتعد ، فقال : باسمك اللهمّ ، هذا كتاب كتبه عبد ذليل جاءه أمر مولاه بالرّحيل. أمّا بعد ، فإنّي كتبت إليكم هذا الكتاب وروحي بالموت تجاذب ؛ لأنّه ما لأحد من الموت مهرب ، وإنّي قد انفذت إليكم أموالي فتقاسموها بينكم بالسويّة ، ولا تنسوا البعيدة عنكم التي أخذت نوركم وحوت عزّكم سلمى ، واُوصيكم بولدي الذي منها. وقولوا لخلادة وصفية ورقية يبكين عليّ ويندبنّني ندب الثّاكلات ، ثمّ بلّغوا سلمى عنّي السّلام ، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته إلى يوم النّشور. ثمّ لمّا مات ، جهّزوه ودفنوه في غزّة ، وفيه يقول الشّاعر :