المجلس السّادس
قال المدائني : خرج الحسن والحسين عليهماالسلام وعبد الله بن جعفر (رضي الله عنه) حجّاجاً ، ففاتتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا ، فمرّوا بعجوز في خباء لها فقالوا : هل من شراب؟ قالت : نعم. فأناخوا بها ، وليس لها إلاّ شويهة في كسر الخيمة ، فقالت : اجلسوا وامتذقوا لبنها. ففعلوا ذلك ، وقالوا لها : هل من طعام؟ قالت : لا ، إلاّ هذه الشاة ، فليذبحها أحدكم حتّى اُهيّئ لكم منها ما تأكلون. فقام إليها أحدهم فذبحها وكشطها ، ثمّ هيّأت لهم طعاماً فأكلوا ، وأقاموا حتّى أبردوا ، فلمّا ارتحلوا قالوا لها : نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه ، فإذا رجعنا سالمين فألمّي بنا فإنّا صانعون إليك خيراً. ثمّ ارتحلوا. وأقبل زوجها فأخبرته عن القوم والشاة ، فغضب وقال : ويحك! تذبحين شاتي لأقوام لا تعرفينهم ثمّ تقولين نفر من قريش! ثم بعد مدّة ألجأتهما الحاجة إلى دخول المدينة ، فدخلاها وجعلا ينقلان البعر إليها ويبيعانه ويعيشان منه. فمرّت العجوز في بعض سكك المدينة فإذا الحسن بن علي عليهماالسلام جالس على باب داره ، فعرف العجوز وهي له منكرة ، فبعث غلامه فردّها فقال : «يا أمَة الله ، أتعرفينني؟». قالت : لا. قال : «أنا ضيفك يوم كذا وكذا». فقالت العجوز : بأبي أنت واُمّي! فأمر الحسن (ع) فاشتري لها من شياه الصدقة ألف شاة ، وأمر لها بألف دينار ، وبعثها مع غلامه إلى أخيه الحسين (ع) فقال : «بِكم وصلك أخي؟» فقالت : بألف دينار وألف شاة. فأمر لها الحسين (ع) بمثل ذلك ، ثمّ بعث بها مع غلامه إلى عبد الله بن جعفر فقال : بكم وصلك الحسن والحسين؟ فقالت : بألفي شاة وألفي دينار. فأعطاها مثل ذلك. وبنو هاشم معادن الجود والكرم ومعادن الشجاعة ، لا يباريهم في ذلك أحد ، ولا عجب من الشيء إذا جاء من معدنه. وحسبك بكرم الحسنَين عليهماالسلام وهما سبطا رسول الله (ص) الذي لا يباري كرمه السحاب الهاطل ، وشبلا أمير المؤمنين (ع) أكرم النّاس وأسخاهم بعد رسول الله (ص). وقلّما يكون الكريم غير