المجلس الثّامن بعد المئة
لمّا اشتدت قُريش في أذى رسول الله (ص) وأصحابه الذين آمنوا به بمكّة قبل الهجرة أمر رسول الله (ص) أصحابه أنْ يخرجوا إلى الحبشة ، وأمر جعفر بن أبي طالب أنْ يخرج معهم. فخرج جعفر ومعه سبعون رجلاً من المُسلمين حتّى ركبوا البحر ، فلمّا بلغ قُريشاً خروجُهم ، بعثوا عمرو بن العاص وعُمارة بن الوليد إلى النّجاشي ليردّهم إليهم. وقال عمرو بن العاص للنّجاشي : أيّها الملك ، إنّ قوماً منّا خالفونا في ديننا وسبّوا آلهتنا ، وصاروا إليك ، فردّهم إلينا. فبعث النّجاشي إلى جعفر [واصحابه] فجاؤوا ، فقال : يا جعفر ، ما يقول هؤلاء؟ فقال جعفر : أيّها الملك ، وما يقولون؟ قال : يسألون أنْ أردّكم إليهم. قال : أيّها الملك ، سلهم أعبيدٌ نحن لهم أم أحرار؟ فقال عمرو : لا ، بل أحرار كرام. قال : فسلهم ، ألهم علينا ديون يُطالبوننا بها؟ فقال : لا ، ما لنا عليكم ديون. قال : فلكم في أعناقنا دماء تطالبوننا بها؟ فقال عمرو : لا. فقال : فما تريدون منّا؟ آذيتمونا فخرجنا من بلادكم. فقال عمرو بن العاص : أيّها الملك ، خالفونا في ديننا وسبّوا آلهتنا ، وأفسدوا شبابنا وفرّقوا جماعتنا ، فردّهم إلينا لنجمع أمرنا. فقال جعفر : نعم أيّها الملك خالفناهم ؛ بعث الله فينا نبيّاً أمرنا بخلع الأنداد ، وترك الإستسقام بالأزلام ، وأمرنا بالصّلاة والزّكاة ، وحرّم الظّلم والجور وسفك الدّماء بغير حقّها ، والزّنا والرّبا ، والميتة والدّم ولحم الخنزير ، وأمرنا بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القُربى ، ونهى عن الفحشاء والمُنكر والبغي. فقال النّجاشي : بهذا بعث الله عيسى بن مريم. ثُمّ قال النّجاشي : يا جعفر ، هل تحفظ ممّا أنزل الله على نبيّك شيئاً؟ قال : نعم. فقرأ عليه سورة مريم حتّى بلغ إلى قوله تعالى : (وَهُزّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرّي عَيْناً) فلمّا سمع النّجاشي بهذا ، بكى بُكاءً شديداً وقال : هذا والله ، هو الحقّ. فقال عمرو بن العاص : أيّها الملك ، إنّ هذا مُخالف لنا فردّهم إلينا. فرفع النّجاشي يده وضرب بها وجه عمرو ، ثُمّ قال : اسكت ، والله ، لئن ذكرته بسوء لأفقدنّك نفسك. فقام عمرو بن العاص من عنده والدّماء تسيل على وجهه ، وهو يقول : إنْ كان هذا