المجلس التّاسع بعد المئة
روى الشّيخ رحمه الله في الأمالي بسنده ، قال : كان الله عزّ وجل قد منع نبيه بعمّه أبي طالب ، فما كان يخلص إليه من قومه أمر يسوؤه مدّة حياته ، فلمّا مات أبو طالب ، نالت قُريش من رسول الله بغيتها وأصابته بعظيم من الأذى ، فقال : «لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم ، وصلتك رحم وجزيت خيراً يا عم». ثُمّ ماتت خديجة بعد أبي طالب بشهر ، فاجتمع بذلك على رسول الله حزنان حتّى عُرف ذلك فيه. ثمّ انطلق ذوو الطّول والشّرف من قُريش إلى دار النّدوة ليأتمروا في رسول الله ، وأسرّوا ذلك بينهم ، فقال العاص بن وائل واُميّة بن خلف : نبني له بُنياناً نستودعه فيه فلا يخلص إليه أحد ، ولا يزال في رنق من العيش حتّى يذوق طعم المنون. فقال قائل : بئس الرّأي ما رأيتم! ولئن صنعتم ذلك ليسمعن هذا الحديث الحميم والمولى الحليف ، ثُمّ لتأتين المواسم والأشهر الحُرم بالأمن فلينتزعن من أيديكم. فقال عتبة وأبو سُفيان : نُرحل بعيراً صعباً ونوثق محمّداً عليه ثُمّ نقصع البعير بأطراف الرّماح فُيقطّعه إرباً إرباً. فقال صاحب رأيهم : أرأيتم إنْ خلص به البعير سالماً إلى بعض الأفاريق ، فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاقة لسانه ، فصبا القوم إليه واستجابت القبائل له ، فيسيرون إليكم بالكتائب والمقانب ؛ فلتهلكن كما هلكت إياد! فقال أبو جهل : لكنّي أرى لكم رأياً سديداً ؛ وهو أنْ تعمدوا إلى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كلّ قبيلة رجلاً بحداً ، ثُمّ تُسلّحوه حُساماً عضباً ، حتّى إذا غسق الليل أتوا ابن أبي كبشة فقتلوه ، فيذهب دمه في قبائل قريش ، فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطّلب مُناهضة قُريش فيرضون بالدّية. فقال صاحب رأيهم : أصبتَ يا أبا الحكم ، هذا هو الرأي فلا تعدلوا به رأياً ، وكمّوا في ذلك أفواهكم. فخرجوا متفرّقين ، وهو قوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فدعا رسول الله عليّاً (ع) وأخبره بذلك ، وقال له : «أوحى إليّ ربّي أنْ أهجر دار قومي وأنطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأنْ آمرك