المجلس العاشر بعد المئة
في أمالي الشّيخ الطّوسي عليه الرّحمة ، أنّه : لمّا أمر الله تعالى نبيّه بالخروج من مكّة ليلة الغار وأنْ يبيت عليّاً على فراشه ، أمر رسول الله أبا بكر وهنداً بن أبي هالة أنْ يقعدا له بمكان ذكره لهما في طريقه إلى الغار ، ولبث رسول الله مع علي يوصيه ويأمره بالصّبر حتّى صلىّ العشاءين ، ثُمّ خرج رسول الله في فحمة العشاء الآخرة ، ومضى حتّى أتى إلى هند وأبي بكر فنهضا معه حتّى وصلوا إلى الغار ، ثُمّ رجع هند إلى مكّة لما أمره به رسول الله ، ودخل رسول الله وصاحبه الغار ، فلمّا غلق الليل أبوابه وانقطع الأثر ، أقبل القوم على علي (ع) يقذفونه بالحجارة ولا يشكّون أنّه رسول الله ، حتّى إذا قرب الفجر هجموا عليه ـ وكانت دور مكّة يومئذٍ لا أبواب لها ـ فلمّا بصر بهم علي (ع) قد انتظوا السّيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان قد تقدّمهم خالد بن الوليد بن المُغيرة ، وثب علي (ع) فهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر ويرغو رغاء الجمل ، وأخذ سيف خالد وشدّ عليهم به فاجفلوا أمامه إجفال النّعم إلى ظاهر الدّار ، وبصروه فإذا هو علي (ع) ، فقالوا : إنّك لعلي؟! قال : «أنا علي». قالوا : فإنّا لم نردك ، فما فعل صاحبك؟ قال : «لا عِلم لي به». فأذكت قريش عليه العيون ، وركبت في طلبه الصّعب والذّلول ، وأمهل علي صلوات الله عليه حتّى إذا أعتمّ من الليلة القابلة ، انطلق هو وهند بن أبي هالة حتّى دخلا على رسول الله في الغار ، فأمر رسول الله هنداً أنْ يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال صاحبه : قد اعددت لي ولك يا نبيّ الله راحلتين. فقال : «إنّي لا آخذهما ولا أحدهما إلاّ بالثّمن». قال : فما لك بذلك. فأمر عليّاً (ع) فأقبضه الثّمن. يقول راوي الحديث : سُئل ابن أبي رافع : أكان رسول الله يجد ما ينفقه هكذا؟ فقال : أين يذهب بك عن مال خديجة! وأنّ رسول الله قال : «ما نفعني مال قطّ مثل مال خديجة». وكان يفكّ من مالها الغارم والأسير ، ويحمل العاجز ، ويُعطي في النّائبة ، ويعطي فقراء أصحابه إذ كان بمكّة ، ويحمل مَن أراد منهم الهجرة