شجاع ، والشجاع غير كريم. وأمير المؤمنين (ع) هو الذي قال : «جنونان لا أخلاني الله منهما : الشجاعة والكرم».
واقتدى به ولده الحسين (ع) في كرمه وشجاعته ، فإنّ هذا الشبل من ذلك الأسد ، وهذا الثمر من ذلك الشجر. وأعظم كرم صدر منه (ع) يوم تلقّاه الحرّ وأصحابه وهم زهاء ألف فارس ، فسقاهم الماء مع خيولهم في تلك الأرض القفراء ، وهم قد جاؤوا لمحاربته!! ولكن بئسما جازاه أعداؤه على ذلك ؛ فإنّهم وضعوا ـ بأمر عمر بن سعد ـ خمسة آلاف رجل على المشرعة يمنعون الحسين (ع) وأصحابه من استسقاء الماء!!
منعُوهُ من ماء الفُراتِ ووردِهِ |
|
وأبوهُ ساقي الحوضِ يومَ جزاءِ |
حتّى قضى عَطشاً كما اشْتهتِ العِدى |
|
بأكفِّ لا صيدٍ ولا أكفاءِ |
أمّا شجاعته (ع) فهي التي ضُربت بها الأمثال وسارت بها الركبان ، وأنست شجاعة جميع الشجعان. وهو الذي دعا النّاس إلى البراز في يوم كربلاء فلم يزل يقتل كلَّ مَن برز إليه حتّى قتل مقتلة عظيمة. وهو الذي كان يحمل على الأعداء وقد تكملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون بين يديه كأنّهم الجراد المنتشر ، فلمّا رأى شمر ذلك ، استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجّالة ، وأمر الرماة أنْ يرموه ، فرشقوه بالسهام حتّى صار كالقنفذ ، فأحجم عنهم وحالوا بينه وبين رحله. فقال (ع) : «ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان! إنْ لمْ يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم هذه ، وارجعوا إلى أحسابكم إنْ كنتم عُرُباً كما تزعمون». فناداه شمر : ما تقول يابن فاطمة؟ قال (ع) : «أقول : أنا الذي اُقاتلكم وتقاتلونني ، والنّساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهّالكم وطغاتكم من التعرّض لحرمي ما دمت حيّاً». قال شمر : لك ذلك. ثمّ صاح : إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه ، فلعمري لهو كفو كريم.
قال اقصدُوني بنفسِي واتْركُوا حَرَمي |
|
قدْ حان حَيني وقدْ لاحتْ لوائحُهُ |