المجلس الرّابع عشر بعد المئة
كان رجل يُسمّى أبا العاص بن الرّبيع ، وكان من رجال مكّة المعدودين مالاً وأمانة وتجارة ، وكان ابن اُخت خديجة اُمّ المؤمنين ، وزوّجه النّبي ابنته زينب قبل النّبوة ، وولد له منها بنت اسمها اُمامة ، وهي التي أوصت الزّهراء عليهاالسلام أميرَ المؤمنين (ع) أنْ يتزوج بها بعدها ، فقالت في جملة ما أوصته به : «وأنْ تتزوج بعدي بابنة اُختي اُمامة ؛ فإنّها تكون لولدي مثلي». فتزوج بها أمير المؤمنين (ع) بعد وفاة الزّهراء عليهاالسلام ، فلمّا أكرم الله رسوله بالنّبوة ، آمنت به خديجة وبناته ومنهنّ زينب ، وبقي أبو العاص مشركاً ، وكان الإسلام قد فرّق بينه وبين زينب إلاّ أنّ رسول الله كان لا يقدر وهو بمكّة أنْ يُفرّق بينهما ، فلمّا دعا النّبي قومه إلى الإسلام ، باعدوه وقالوا : إنّكم قد فرغتم محمّداً من همّه ؛ أخذتم عنه بناته فردّوهن عليه يشتغل بهن. فقالوا لأبي العاص : فارق بنت محمّد ونحن نزوّجك أي امرأة شئت من قُريش. فقال : لا اُفارقها وما اُحب أنّ لي بها امرأة من قُريش. فكان رسول الله إذا ذكره يُثني عليه خيراً في صهره ، فلمّا هاجر رسول الله إلى المدينة ، بقيت زينب بنت رسول الله بمكّة مع أبي العاص ، فلمّا سارت قُريش إلى بدر ، سار أبو العاص معهم فأُسر ، فلمّا بعثت أهل مكّة في فداء اُساراهم ، بعثت زينب بنت رسول الله (ص) في فداء زوجها أبي العاص بمال ، وكان فيما بعثت به قلادة كانت خديجة اُمّها ادخلتها بها على أبي العاص ليلة زفافها عليه ، فلمّا رأى رسول الله (ص) قلادة ابنته زينب ، رقّ لها رقّة شديدة ، وقال للمُسلمين : «إنْ رأيتم أنْ تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها ما بعثت به من الفداء ، فافعلوا». فقالوا : نعم يا رسول الله ، نفديك بأنفسنا وأموالنا. فَردّوا عليها ما بعثت به وأطلقوا لها أبا العاص بغير فداء. أقول : إذا كان رسول الله (ص) لمّا نظر إلى قلادة ابنته زينب ، رقّ لها رقّة شديدة ، وهي لم تُسلب منها ولم تؤخذ قهراً ، بل أرسلتها طوعاً لفداء زوجها الذي هو أسير عند أبيها رسول الله