المجلس الخامس عشر بعد المئة
لمّا أطلق رسول الله (ص) أبا العاص ، زوج ابنته زينب الذي اُسر يوم بدر ، شرط عليه رسول الله (ص) أنْ يبعث إليه زينب إلى المدينة ، فلمّا خرج أبو العاص إلى مكّة ، بعث رسول الله (ص) زيد بن حارثة ورجلاً من الأنصار ، فقال : «كونا بمكان كذا حتّى تمرّ بكما زينب ، فتأتياني بها». وقدم أبو العاص إلى مكّة فأرسلها مع أخيه كنانة بن الرّبيع ، وأركبها في هودج وخرج بها نهاراً ، فقالت قريش : لا تخرج ابنة محمّد من بيننا على تلك الحال. فخرجوا في طلبها حتّى أدركوها بذي طوى ، فروّعها هبار بن الأسود بالرّمح وهي في الهودج وكانت حاملاً ، فلمّا رجعت أسقطت ، ولمّا رأى كنانة القوم قد أقبلوا ، برك ونثل كنانته وأخذ منها سهماً ووضعه في قوسه ، وقال : والله ، لا يدنو منها رجل إلاّ وضعت فيه سهماً. فجاء رؤساء قُريش وفيهم أبو سُفيان ، فقالوا : إنّك لم تصب ، خرجت بها علانية وقد عرفت مصيبتنا ببدر فيظنّ النّاس إذا خرجت بها جهاراً إنّ ذلك عن ذلّ ووهن أصابنا ، ولكن ارجع ، فإذا هدأت الأصوات وتحدّث النّاس بردّها ، فاخرج بها سرّاً. فرجع كنانة ، ثُمّ خرج بها ليلاً حتّى سلّمها إلى زيد بن حارثة وصاحبه. فقدما بها على رسول الله (ص) ، فأهدر دم هبار لمّا بلغه ذلك ، فلمّا كان يوم فتح مكّة ، أتاه هبار مُسلماً ، فقبل إسلامه وعفا عنه. بأبي أنت واُمّي يا رسول الله! أهدرت دم هبار ؛ لأنّه روّع ابنتك زينب حتّى أسقطت ، فما كنت صانعاً لو نظرت إلى مَن روّع بناتك يوم كربلاء بعد قتل ولدك الحسين (ع) حين هجم القوم على خيام بناتك وعيالاتك ، وانتهبوا ما فيها وأضرموا فيها النّار؟! قال حميد بن مُسلم : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عُمر بن سعد ، فلمّا رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين (ع) في فسطاطهن وهم يسلبونهن ، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط ، وقالت : يا آل بكر بن وائل ، أتُسلب بنات رسول الله؟! لا حكم إلا لله ، يا لثارات رسول الله! فاخذها زوجها وردّها إلى رحله.