المجلس التّاسع عشر بعد المئة
لمّا كانت وقعة الخندق ـ وتُسمّى وقعة الأحزاب ؛ لتحزّب القبائل فيها على حرب رسول الله ـ أقبلت قُريش وقائدها أبو سفيان ، وأقبلت كنانة وأهل تهامة وغطفان ومن تبعها من أهل نجد ، واتفق المشركون مع اليهود وجاؤوا ، كما قال تعالى : (إِذْ جَآءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً * وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ مّا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ الاّ غُرُوراً) إلى قوله : وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً فتوجّه اللوم والتّقريع والعتاب إلى النّاس ولم ينجُ منه إلاّ علي بن أبي طالب (ع) ، فأشار سلمان الفارسي بحفر خندق حول المدينة فحُفر ، وعمل فيه رسول الله بيده فكان يحفر وعلي ينقل التّراب ، وفرغ رسول الله من حفر الخندق قبل مجيء قريش بثلاثة أيام ، وأقبلت الأحزاب وكانوا عشرة آلاف ، فهال المسلمين أمرهم ، ونزلوا بجانب الخندق ، وكان المسلمون ثلاثة آلاف. قال الواقدي وغيره : وخرج عمرو بن عبد ود ومعه جماعة ، شاهراً نفسه معلماً مدلاً بشجاعته وبأسه ، وقد كان شهد وقعة بدر وجرح ونجا هارباً على قدميه ، فلمّا رأوا الخندق ، قالوا : إنّ هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ونظنّها من الفارسي الذي معه ، يعنون سلمان. ثُمّ أتوا إلى مكان ضيّق من الخندق فضربوا خيلهم واقتحموه ، ورسول الله جالس وأصحابه قيام على رأسه ، فتقدم عمرو ودعا إلى البراز ، فقال رسول الله : «مَن لعمرو وأضمن له على الله الجنّة؟». فقام علي (ع) فقال : «أنا له يا رسول الله». قال : «اجلس». حتّى قالها ثلاث ، وفي كُلّ مرّة يقوم علي (ع) والقوم ناكسوا رؤوسهم كأنّ على رؤوسهم الطّير ، فقال عمرو : أيّها النّاس ، إنّكم تزعمون أنّ قتلاكم في الجنّة وقتلانا في النّار ، أفما يحب أحدكم أنْ يقدم على الجنّة أو يقدم عدواً له إلى النّار؟ فلم يقم إليه أحد إلاّ علي (ع) ، فقال له النّبي : «يا علي ، هذا عمرو بن