المجلس الحادي والعشرون بعد المئة
لمّا كانت غزاة بني قريظة ـ وهم قوم من اليهود كان بينهم وبين المسلمين مهادنة واتفق يوم الخندق جماعة من يهود بني النّضير مع قريش على حرب النّبي ، وجاء منهم حيي بن أخطب إلى كعب بن أسد ـ سيّد بني قريظة ـ فطلب منه نقض العهد مع النّبي ومعاونته على حربه فأبى ، فلم يزل به حتّى رضي فجاء نعيم بن مسعود إلى النّبي ، فقال : إنّي أسلمت ولم يعلم بي قومي فمرني بما شئت. قال : «خذّل عنّا ، فإنّ الحرب خدعة». فجاء إلى بني قريظة وكانوا ندماءه في الجاهلية ، فقال : قد عرفتم حبّي لكم. قالوا : لست عندنا بمتّهم. قال : قد ظاهرتم قريشاً على حرب محمّد ولستم مثلهم ، أنتم أهل هذه البلاد وهم غرباء ، فإنْ غلبهم محمّد ، لحقوا ببلادهم وتركوكم ، فلا تقاتلوا معهم حتّى يعطوكم رهينة. ثُمّ جاء إلى قريش وقال : بلغني أنّ بني قريظة ندموا وبعثوا إلى محمّد ، هل يرضيك أنْ نأخذ من قريش رجالاً وندفعهم إليك فتضرب أعناقهم؟ فإنْ طلبت قريظة رهناً فلا تعطوها. فلمّا طلبت قريظة منهم الرّهن ، قالوا : صدق نعيم. وأجابوهم : لا ندفع إليكم رجلاً واحداً. فقالت قريظة : الذي قاله نعيم حقٌّ. فلمّا دخل النّبي المدينة بعد الخندق ، نزل عليه جبرائيل وقال له : إنّ الملائكة لم تضع السّلاح ، والله يأمرك بالمسير إلى بني قريظة. فأمر ، فنودي : أنْ لا يُصلّي أحدٌ العصر إلاّ في بني قريظة. وقدم عليٌّ (ع) برايته في ثلاثين رجلاً وتلاحق به النّاس ، فلمّا رأوه جعلوا يقولون : جاءكم قاتل عمرو! أقبل إليكم قاتل عمرو! وألقى الله الرّعب في قلوبهم ، وحاصرهم النّبي خمساً وعشرين ليلة ، فطلبوا النّزول على حكم سعد بن معاذ ، وكان سعد جاءه سهم يوم الخندق فقطع أكحله : وهو عرق مخصوص إذا قطع لا يمكن أنْ يعيش صاحبه. فدعا الله تعالى أنْ لا يميته حتّى يقرّ عينه من بني قريظة فانقطع الدّم ، فحكم فيهم بقتل الرّجال وسبي الذّراري والنّساء وقسمة الأموال. فقال النّبي : «لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات». ثُمّ خرج