المجلس الثّالث والعشرون بعد المئة
كان رسول الله أرسل رسولاً إلى ملك بصرى من بلاد الشّام ، فلمّا نزل مؤتة من أرض البلقاء ، قتله شرحبيل بن عمرو الغسّاني ، ولم يقتل لرسول الله رسول غيره. فلمّا بلغه ذلك ، عظم عليه وأرسل جيشاً إلى مؤتة ، وكانوا ثلاثة آلاف ، وأمر عليهم جعفر بن أبي طالب ، فإنْ قُتل فزيد بن حارثة ، فإنْ قُتل فعبد الله بن رواحة. وقيل : بل أمر عليهم أولاً زيد بن حارثة. فساروا حتّى نزلوا معان ، فبلغهم أنّ هرقل ملك الرّوم سار إليهم في مئة ألف من الرّوم والعرب. وقيل : في مئة ألف من الرّوم ومثلها من العرب. فقالوا : نكتب إلى رسول الله ؛ فإمّا أنْ يردّنا أو يزيدنا. فشجّعهم أميرهم ، وقال : ما نقاتل النّاس بعدد ولا قوّة ، ما نقاتلهم إلاّ بهذا الدّين الذي أكرمنا الله به ، وما هي إلاّ إحدى الحسنيين ؛ إمّا النّصر أو الشّهادة. فساروا والتقوا بجموع الرّوم والعرب بقرية من البلقاء تُسمّى مشارف ، وانحاز المسلمون إلى قرية تُسمّى مؤتة ، فاقتتلوا قتالاً شديداً ، فأخذ الرّاية جعفر بن أبي طالب فقاتل ، وهو يقول :
يا حبذا الجنّةُ واقترابُها |
|
طيبةٌ وباردٌ شرابُها |
طيبةٌ وباردٌ شرابُها |
|
كافرةٌ بعيدة أنسابُها |
عليَّ إذ لاقيتُها ضرابُها
فلمّا أشتدّ القتال ، نزل عن فرس له شقراء فعقرها ـ وكان أول من عقر فرسه في الإسلام ـ ثُمّ قاتل حتّى قُتل ، فوجدوا به بضعاً وثمانين ما بين رمية وضربة وطعنة ، وهي جراحات كثيرة تدلّ على شجاعة عظيمة وثبات شديد ، ولكنّها لا تبلغ جراحات ابن أخيه الحسين (ع) يوم كربلاء ، فقد وجُد في قميصه مئة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة. وقيل : وجد في ثيابه مئة وعشرون رمية بسهم ، وفي جسده