المجلس الثامن
ممّا جاء في كرم الحسين (ع) ، ما رواه عمرو بن دينار قال : دخل الحسين بن علي عليهماالسلام على اُسامة بن زيد وهو مريض ، وهو يقول : وآغمّاه! فقال له الحسين (ع) : «وما غمّك يا اُسامة؟». فقال : دَيني ، وهو ستّون ألف درهم. فقال الحسين (ع) : «هو علَيّ». فقال : إنّي أخشى أنْ أموت. فقال الحسين (ع) : «لنْ تموت حتّى أقضيها عنك». قال : فقضاها قبل موته. وكان (ع) يقول : «شرّ خصال الملوك ؛ الجُبن عن الأعداء ، والقسوة على الضعفاء ، والبخل عن الإعطاء». ووفد أعرابي إلى المدينة فسأل عن أكرم النّاس بها ، فدُلّ على الحسين بن علي بن أبي طالب عليهماالسلام ، فدخل المسجد فوجده يصلّي ، فوقف بازائه وأنشأ يقول :
لمْ يَخبِ الآن مَنْ رجاكَ ومَنْ |
|
حرَّكَ من دون بابِك الحلَقهْ |
أنت جوادٌ وأنت مُعتَمَدٌ |
|
أبوك قدْ كان قاتلَ الفسَقهْ |
لولا الّذي كان منْ أوائِلكُمْ |
|
كانتْ علينا الجَحيمُ مُنطبقهْ |
فسلّم الحسين (ع) ، وقال : «ياقنبر ، هل بقي من مال الحجاز شيء؟» قال : نعم ، أربعة آلاف دينار. فقال (ع) : «هاتها ، قد جاء مَن هو أحقّ بها منّا». ثمّ نزع بردته ولفّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقّ الباب ؛ حياءً من الأعرابي ، وأنشأ يقول :
خُذْها فإنّي إليك معتذرٌ |
|
واعلَمْ بأنّي عليك ذو شَفَقهْ |
لو كان في سَيرنا الغداةَ عصاً(١) |
|
أمستْ سمانا عليكَ مُندفِقهْ |
لكنَّ ريبَ الزّمان ذو غِيرٍ |
|
والكفُّ منّي قليلةُ النّفَقهْ |
______________________
(١) لعلّ المراد بالسّير : واحد السّيور التي تُقدّ من الجلد ، فإنّه إذا كان فيه عصا (أي مشدوداً بطرف عصا) ، صار سوطاً قابلاً للضرب ، فيكون كناية عن الحكم والقوّة.