المجلس الرّابع والعشرون بعد المئة
لمّا أراد النّبي فتح مكّة ، سأل الله جلّ اسمه أنْ يعمي أخباره على قريش فيدخلها بغتة ، وبنى أمره على السرِّ. فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكّة يخبرهم بعزم رسول الله على فتحها ، وأعطى الكتاب امرأة سوداء كانت وردت المدينة تستميح بها النّاس وتستبرّهم ، وجعل لها جعلاً على أنْ توصله إلى قوم سمّاهم لها من أهل مكّة ، وأمرها أنْ تأخذ على غير الطّريق ، فنزل الوحي على رسول الله بذلك ، فاستدعى أمير المؤمنين (ع) وقال له : «إنّ بعض أصحابي قد كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا ، وقد كنت سألت الله عزّ وجل أنْ يعمي أخبارنا عليهم ، والكتاب مع امرأة سوداء قد أخذت على غير الطّريق ، فخذ سيفك والحقها وانتزع الكتاب منها وخلّها وسر به إليّ». ثُمّ استدعى الزّبير بن العوّام فقال له : «امض مع علي بن أبي طالب في هذا الوجه». فمضيا وأخذا على غير الطّريق ، فأدركا المرأة فسبق إليها الزّبير فسألها عن الكتاب الذي معها ، فأنكرته وحلفت أنّه لا شيء معها وبكت ، فقال الزّبير : ما أرى يا أبا الحسن معها كتاباً ، فارجع بنا إلى رسول الله لنخبره ببراءة ساحتها. فقال له أمير المؤمنين (ع) : «يخبرنا رسول الله أنّ معها كتاباً ويأمرني بأخذه منها ، وتقول أنت أنّه لا كتاب معها!». ثُمّ اخترط السّيف وتقدم إليها ، فقال : «أما والله ، لئن لم تخرجي الكتاب ، لأكشفنك ثُمّ لأضربنّ عنقك». فقالت له : إذا كان لا بدّ من ذلك ، فاعرض يابن أبي طالب بوجهك عنّي. فأعرض بوجهه عنها ، فكشفت قناعها وأخرجت الكتاب من عقيصتها ، فأخذه أمير المؤمنين (ع) وسار به إلى النّبي ، فأمر أنْ يُنادى بالصّلاة جامعة ، فنودي في النّاس ، فاجتمعوا إلى المسجد حتّى صلّى بهم ، ثُمّ صعد النّبي المنبر وأخذ الكتاب بيده ، وقال : «أيّها النّاس ، إنّي كنت سألت الله عزّ وجل أنْ يخفي أخبارنا عن قريش ، وأنّ رجلاً منكم كتب إلى أهل مكّة يخبرهم بخبرنا ، فليقم صاحب الكتاب ، وإلاّ فضحه الوحي». فلم يقم أحد ، فأعاد رسول الله مقالته