المجلس السّادس والعشرون بعد المئة
لمّا كانت غزاة حنين ، وذلك بعد فتح مكّة ، خرج رسول الله في عشرة آلاف ، وقيل في أثني عشر ألفاً ؛ ألفان ممّن أسلم يوم الفتح ، وعشرة آلاف من أصحابه. فقال بعض أصحابه من المهاجرين : لن نغلب اليوم من قلّة. فلمّا أتوا إلى وادي حنين ، وكان ذلك قبل الفجر ، وكان المشركون قد سبقوهم إلى الوادي وكمنوا فيه ، حمل عليهم المشركون وانهزم المسلمون بأجمعهم ، ولم يثبت مع النّبي غير عشرة أنفس ؛ تسعة من بني هاشم والعاشر أيمن بن اُمّ أيمن ، فقُتل أيمن وثبتت التّسعة ؛ منهم العبّاس بن عبد المطّلب عن يمين رسول الله ، وابنه الفضل عن يساره ، وأبو سفيان بن الحارث ممسك بسرجه عند نفور بغلته ، وأمير المؤمنين (ع) بين يديه يضرب بالسّيف ، والباقون حوله ، وذلك قوله تعالى : (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمّ وَلّيْتُم مُدْبِرِينَ * ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) : يعني عليّاً (ع) ومَن ثبت معه من بني هاشم. وأمر النّبي عمّه العبّاس ـ وكان صيتاً جهورياً ـ أنْ يُنادي النّاس ويذكّرهم العهد ، ففعل فلم يرجعوا ، ثُمّ نادى : أين ما عاهدتم الله عليه؟ فرجعوا أولاً فأولا ، وأقبل رجل من هوازن يُسمّى أبا جرول على جمل له ، بيده راية في رأس رمح طويل أمام النّاس ، إذا أدرك أحداً طعنه ، وإذا فاته النّاس رفع رايته لمن وراءه من المشركين فاتبعوه ، فصمد له أمير المؤمنين (ع) فضرب عجز بعيره فصرعه ثُمّ ضربه فقتله ، فكانت هزيمة المشركين بقتل أبي جرول. ولمّا رأى النّبي شدّة القتال ، قام في ركابي سرجه حتّى أشرف على جماعة النّاس ، ثُمّ قال : «الآن حمي الوطيس» : أنا النّبيُّ لا كذبْ أنا ابنُ عبدِ المطلبْ فما كان بأسرع من أنْ ولّى القوم على أدبارهم ، ولحقهم المسلمون أمامهم علي (ع) ، يقتلون ويأسرن حتّى قتل علي (ع) أربعين رجلاً. ومن هذه الشّجاعة ورث ولده الحسين (ع) ، وعلى نهجها نهج وفي سبيلها درج ، فهو ابن رسول الله وابن بضعته.