المجلس الثّلاثون بعد المئة
كان أبو ذر الغفاري ـ واسمه جندب بن جنادة ـ من خيار أصحاب رسول الله (ص) ، الموالين لأمير المؤمنين (ع) والهاتفين بفضائله. وفي الإستيعاب : كان من كبار الصّحابة قديم الإسلام. وقال علي (ع) : «وعى أبو ذر علماً عجز النّاس عنه ، ثُمّ أوكأ عليه فلم يخرج شيئاً منه». وقال النّبي (ص) : «أبو ذر في اُمّتي على زهد عيسى بن مريم (ع)». وقال النّبي (ص) : «ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر». روي ذلك كلّه في الإستيعاب وغيره. قال الامام الصّادق (ع) : «أرسل عثمان إلى أبي ذر مولَيَين له ومعهما مئتا دينار ، فقال لهما : إنطلقا بها إلى أبي ذر فقولا له : عثمان يقرؤك السّلام ويقول لك : هذه مئتا دينار فاستعن بها على ما نابك. فقال أبو ذر : فهل أعطى أحداً من المسلمين مثلما أعطاني؟ فقالا : لا. قال : فأنا رجل من المسلمين ، يسعني ما يسع المسلمين. فقالا : إنّه يقول : هذا من صلب مالي ، وبالله الذي لا إله إلا هو ، ما خالطها حرام ، ولا بعثت إليك إلاّ من حلال. فقال : لا حاجة لي فيها وقد أصبحت يومي هذا وأنا من أغنى النّاس. فقالا له : عافاك الله واصلحك! ما نرى في بيتك قليلاً ولا كثيراً مما تستمتع به. فقال : بلى ، تحت هذا الأكاف (١) الذي ترونه رغيف شعير قد أتى عليه أيام ، فما أصنع بهذه الدّنانير؟ لا والله ، حتّى يعلم الله أنّي لا أقدر على قليل ولا كثير ، ولقد أصبحت غنيّاً بولاية علي بن أبي طالب وعترته الهادين المهديين الرّاضين المرضيين ، الذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون. وكذلك سمعت رسول الله (ص) يقول : إنّه لقبيح بالشّيخ أنْ يكون كذّاباً. فرِدّاها عليه واعلماه أنّه لا حاجة لي فيها ، ولا فيما عنده حتّى ألقى الله ربّي ، فيكون هو الحاكم فيما بينه وبيني». ونُفي أبو ذر أولاً إلى الشّام ، فجعل يُحدّث النّاس بفضائل علي وأهل بيته عليهمالسلام وينتقد أعمال بني اُميّة ، فرُدّ إلى
_____________________
(١) الأكاف : الجلال الذي يوضع على الحمار.